هذا ابتداءٌ له عند العلى خبرُ – عبدالجبار بن حمديس
هذا ابتداءٌ له عند العلى خبرُ … يُحْكَى فَيُصْغِي إليْهِ الشُّهْبُ والبَشَرُ
كأنهُ وهو من متنِ الصبا مثلٌ … من كل قُطرٍ منَ الدنيا له خبرُ
ما استحسن الدهر حتى زانه حسن … وأشرقت في الورى أيامُهُ الغرر
شهمٌ له حين يرمي في مناضلة ٍ … سهمٌ مواقعه الأحداقُ والثغر
لو خصّ عصر شباب من سعادته … بلحظة ٍ لم ينله الشيب والكبر
ملكٌ جديد المعالي في حمى ملك … ماضٍ كما طُبع الصمصامة الذكر
لقد نهضتَ بعبءِ الملكِ مضطلعاً … به ظهيراك فيه السعد والقدرُ
فإن نصرت على طاغٍ ظفرتَ به … فما حليفاك إلاَّ النصر والظفر
وإن خَفَضْتَ عُداة َ الله أو خُذلوا … فأنت بالله تستعلي وتنتصرُ
أصبحت أكبر تعطي كل مرتبة … حقّاً وسنّكَ مقرُونٌ بها الصغر
يُخْشَى حُسامَك مغْمُودا فكيف إذا … ما سُلْ للضربِ وانْهَدّتْ بهِ القَصَر
وليس يعجبُ من بأس مخايله … من مقلتيكَ عليها يشهد النظر
والشبل فيه طباع الليث كامنة ٌ … وإنَّما ينتضيها النَّاب والظفر
إنّ البلاد إذا ما الخوفُ أمرضها … ففي أمانك من أمراضها نُشر
وما سفاقس إلا بلدة ٌ بعثتْ … إليك عنها لسانَ الصدق تعتذر
وأهلها أهلُ طوعٍ لا ذنوب لهم … إني لأقسم ما خانوا وما غدروا
وإنما دافعوا عن حتف أنفسهم … إذ خَذّمَتْهُمْ به الهندية ُ البتر
ضرورة ٌ كان منهم ما به قُرفوا … وبالضرورة عنهم نكبَ الضررُ
وقد جرى في الذي جاءوا به قدرٌ … ولا مَرَدّ لما يجري به القَدَر
وما على الناس في إحسان مملكة ٍ … إذا تشاجرَ فيه المدّ والحَسَر
كلٌّ لعلياكَ قد كانت حميّتُهُ … مؤكّدا كلّ ما يأتي وما يذر
وهم عبيدُكَ فاصفحْ عن جميعهُمُ … فالذنْبُ عند كريم الصفح مُغْتَفِرُ
بَكَوْا أباك بأجفانٍ مؤرَّقة … أمْوَاهَهُنّ من النّيران تنفجر
ورحمة ُ الله تترى منهم أبداً … عليه ما كرّت الآصال والبكر
حتى إذا قيلَ قد حاز العلى حسنٌ … مَدّوا إلى أحْمَدَ الألحَاظَ وانتظروا
وقبّلوا من مذاكي خيله فرحاً … حوافراً قد علا أرساغها العفرُ
مالوا عليها ازدحاماً وهي تَرْمَحُهُمْ … فكمْ بها من كسيرٍ ليس ينجبرُ
شوقاً إليهم ومحضاً ممن وفائهمُ … لم يَجْرِ في الصّفْوِ من أخلاقه كدر
أبوك مَدّتْ عليهم كفُّ رأفته … منها جناحاً مديدا ظلَّه خَصِر
حَدتْ لهم في قوام الأمر طاعتُهُ … حدّاً فما وَرَدُوا عنه ولا صدروا
وألفَ اللهُ في الأوطانِ شملهمُ … فنُظّموا في المغاني بعدما نثروا
وأنتَ عدلٌ فسرْ فيهم بسيرته … فالعَدْلُ في المُلْكِ عنه تُحْمد السير
أنتمْ مُلوكُ بني الدّنْيا الذين بهمْ … تَرْضٍى المنابِرُ والتيجانُ والسرر
أعاظمٌ من قديم الدهر مُلْكُهُمُ … ترى المفاخرَ تستخذي إذا افتخروا
ذمرٌ له في ضمير الغمدِ ذو شطبٍ … كأنه بارقٌ يسطو به قمرُ
“شمسُ العداوة حتى يُستقاد لهم … وأعظم الناسِ أحلاماً إذا قد رأوا”
إليك طَيّبَ روضُ المدح نَفْحَتَهُ … لمّا تفتّح فيه بالندى زهرُ
يجوبُ منه ذكي المسك كلّ فلاً … طيباً ويعبرُ منه العنبرُ الذفر
كأنَّ زُهْرُ الدراري فيه قد نُظِمَتْ … كما تنظّمُ في أسلاكها الدررُ
يا من تضاعفَ فيضُ الجودِ من يدهِ … كأنَّما البحرُ من جَدْوَاهُ مختصر
إني نأيتُ وحظي حطَّ منزلة ً … كأنما طول باعي عاقهُ قصرُ
وقد نُسيتُ وذكري لا خفاءَ به … والمسكُ يُطوى ونشرٌ منه ينتشرُ
وقد بعثتُ رثاءً في أبيك، ولي … حزنٌ عليه فؤادي منه ينفطر
وما بدا لي من جودٍ أمرتَ به … عينٌ، تفوز به عيني، ولا أثر
وكفّكَ المزنُ تسْقِي من دَنَا ونأى … وليس من غيرِ مُزْنٍ يرتجى المطر
بقيت للدين والدنيا وأهلهِما … وَمُدّ في رتب العليا لك العمر