رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ – عبدالجبار بن حمديس

رعى وَرَقُ البيضِ الذي زهرُهُ دَمُ … بهم ورقاً عن زهره الروضُ يبسمُ

جبابرة ٌ في الروع تعدو جيادهم … بهمْ فوق ما سحّ الوشيج المقوَّمُ

تنوءُ بهم في ذُبّلِ الخطِّ أنْجُمٌ … سحائبها نقعٌ، وأمطارها دم

ترحّلُ من آجامها الأسدُ خيفة ً … إذا نَزَلوا للرّعِي فيها وخَيّموا

ترى كلّ جوّ من قناهم ونَقَعِهِمْ … يُكَوْكَبُ إن ساروا بهم وَيُعتّمُ

فِصاحٌ غداة الروع عزّ سكوتهم … وألسنة الأغماد عنهم تُتَرجِمُ

كأن بأيديهم إذا ضربوا الطلى … عزائمَهُمْ، لو أنَّها تتجسّمُ

إذا ما استوَى فِعْلُ المنايا وفعلُهُمْ … بأرواح أبطالِ الوغى فهمُ همُ

أعاريبُ ألقى في نتيجات حَيّهِمْ … لهم أعوجٌ ما يوجفون وشَدْقَم

صحبتهم في موحشِ الأرضِ مُقفرٍ … به الذئبُ يعوي والغزالة ُ تَبْغم

سقى الله عيناً عذبة الدمع أن بكتْ … حظاراً بها للجسم قلبٌ متيم

بلادٌ تلاقيني الدّراريّ كلّما … طلعنَ عليها وهي عنهنّ نَوّم

بأرضٍ يُميتُ الهمَّ عنك سرورها … ويمحو ذنوبَ البؤس فيها التنعّمُ

وكم لي بها من خلّ صدقٍ مساعدٍ … مُهينِ العطايا، وهو للعِرْضِ مكرم

يَفَيضُ على أيدي العفاة ِ سماحة ً … على أنَّهُ من نَجْدَة ٍ يَتَضَرّمُ

إذا فرّتِ الأبطال كرّ، وسيفه … يُحِلّ بيمناه دمَ العلج، محرم

يموجُ به بحره كأنَّ حبابَهُ … عليه دلاصٌ سردها منه يحكم

ونحن بنو الثغر الذين ثُغُوُرُهُمْ … إذا عبَسَتْ حربٌ لهم تَتَبَسّمُ

ومن حَلَبِ الأوداج يُغْذى فطينا … بِحَجْرٍ من الهيجاءِ ساعة َ يُفْطمُ

لنا عَجُزُ الجيشِ اللّهامِ وَصَدْرُهُ … بحيثُ صدورُ السّمْرِ فينا تُحَطَّمُ

يضاعفُ إن عُدّ الفوارسُ عَدُّنا … كأنَّ الشجاعَ الفردَ فينا عرَمرَم

نؤخرُ للإقدامِ في كل ساقة ٍ: … تأخرُ ما يلقى الحتوفَ تَقَدُّم

فإن كان للحرب العوان مُعوَّلٌ … علينا فما كلّ الكواكب تَرْجم

وتنسجُ يوم الرّوعِ من نسج جردنا … علينا ملاءً بالقشاعم ترقم

فمن كلّ مقدامٍ على أعوجية ٍ … بكراتها طيرُ الملاحم تلحم

وطائرة ٍ بالذّمْرِ ملء عنانها … لها الفضلُ في شأو البروق مُسلَّم

رمينا عداة َ الله في عُقْرِ دارهم … بعادية في غمرة الموت تُقْحَمُ

تعومُ بها من بين العُلُوجِ مُظِلّة ً … كما حلّقَتْ فُتْخٌ على الجوّ حُوّم

فمن حاملٍ من غير فحلٍ يُنيخُها … إذا وضعتْ في ساحل الروم صيْلَمُ

ومنسوبة ٍ للحرب مُنْشأة ٍ لها … طوائرُ بالآسادِ في الماءِ عُوّم

كأنَّ قسيّاً في مواخرها الّتي … يُفَرَّقُ منها في المقادم أسهمُ

وترسلُ نِفْطاً يركبُ الماءَ مُحْرِقاً … كُمهلٍ به تشوى الوجوه جهنم

مدائنُ تغزو للعلوجِ مدائناً … فتفتحُ قسرا بالسيوف وتَغْنَمُ

ومتّخذي قُمْصِ الحديد ملابساً … إذا نكلَ الأبطال في الحرب أقدموا

كأنهم خاضوا سراباً بقيعة ٍ … ترى للدّبا فيها عيوناً عليهمُ

صَبَرْنَا لهمْ صَبْرَ الكرام ولم يَسُغْ … لنا الشهد إلاَّ بعدما ساغَ علقم

فغادَر أفواهاً بهم هبرُ ضربنا … نواجذُها من مرهفاتٍ تُثَلَّم

وإنَّ بأيدينا الحديدَ لناطقٌ … إذا ما غدا في غيرها، وهو أبكم

وأجنحة ُ الراياتِ فينا خوافقٌ … كأنَ دمَ الأبطال فيهنّ عدمُ

أمِنْ أبرقٍ بالدرار أوْمَضَ بارقٌ … كطائِشِ كفّ بالبنان يُسَلّم

مَرَى من عيونٍ ساهرات مدامعاً … وكحّلَها بالنُّورِ والليلُ مظلم

فيا عجَبَا من زورة ٍ زارَ طيفُها … جفُوناً من التهويمِ فيها تَوَهّم

ألمّ بساقي عبرة ٍ حدَّ قفرة … بِمِنْسَمِ حرفٍ كلما بُلَ يُلْطَم

وأهدى أريجاً من شذاها ودونها … لمقتحمِ الأهوال سهبٌ وخضرم

وللصبح نورٌ في الظلامِ كما اكتسى … حميماً بطولِ الركضِ في الصدرِ أدهم

أحنّ إلى أرضي التي في تُرابِها … مفاصلُ من أهْلي بَلينَ وأعظمُ

كما حنّ في قَيْدِ الدجى بمُضِلة ٍ … إلى وطنٍ عودٌ من الشوق يُرْزِم

وقد صَفِرَتْ كَفّايَ من رَيّقِ الصبا … ومني ملآن بذكرِ الصبا فم