شددتُ على صدر الزماعِ حزامي – عبدالجبار بن حمديس

شددتُ على صدر الزماعِ حزامي … وَجَرَّدْتُ من عزْمي شقيقَ حُسامي

وقمتُ نهوضَ العَوْدِ حُلّ عِقالُهُ … فأقْعَدَنِي المقدورُ عند قيامي

إذا صاحَ بي أمرٌ من الله صيحة ً … رجعتُ ورائي، والحبيبُ أمامي

وكيْفَ أرى لي قصْد وجهي إليكُمُ … إذا كان في كفّ القضاءِ زمامي

وما هي إلاَّ غربة ٌ مُسْتمرة ٌ … أرى الشيخ فيها بعدَ سِنّ غلام

كأنَّ قَذالي بالقتير مُعَوَّضُ … قبيلة َ سامٍ من قبيلة حام

وماشيّبَ الإنسان مثلُ تغربٍ … يَمُرّ عليه اليومَ منه كَعَام

وهل رحتُ إلاّ طالباً بالنوى عُلى ً … كأني منها للنجومِ مُسامِ

وإني لسهمٌ في نفاذي وليتني … يهدّبُ بي دار الأحبة رامِ

أبا الحسن اسمعْ عذرة ً قد بعثتها … ـ فلا زلتَ في عزّ قرينَ دوام ـ

إذا لم تُطقْ عن أرض قومٍ ترحّلاً … فزرتك ما استوعبته بمقامِ

وأعربتَ عن نفسٍ إليّ مشوقة ٍ … كأنَّ كلاماً منك طيَ كلام

أتاني كتابٌ منك نَمّقْتَ خطّهُ … كما دبّجَ الروضَ انسجامٌ غمامِ

تناولتُهُ من كفّ مُهْدٍ كأنَّما … بردتُ بعذبِ الماء حرَّ أوامِ

مَشَى في ضميري بالسرور كما مشَى … صلاحٌ شفاءٍ في فساد سقام

كأنّ كتابي باليمين أخذته … وقيل ليَ: ادخلْ جنّة ً بسلام

فلا تحسبوني قدْ تَسَلّيتُ عنكم … بطيبِ سماعٍ أو بكأس مُدامِ

ولاضحكتْ سي، وهل ضحكتْ وما … وضعتُ على فَضّ الدموعِ ختامي

متى كنتُ مختارا على الوَصْل فُرْقة ً … تُطيلُ إلى وِرْدِ اللقاءِ هيامي

ولا تحسبوني خائفاً قطعَ مهمة ٍ … يدومُ، وأخفافُ المطيّ دوام

تَنَفّسَ منه الحرُّ في حُرّ وجنتي … تَنَفُّسَ قَيْنٍ في صقيل حسام

ولا ساكناً في ليْلَة ٍ مُدْلَهِمَّة ٍ … سَرَى رَكبُها فيها اصطلاءَ ظلام

إذا ما رغا في الجوّ فحلُ سحابها … حَكى الثلجُ من شدقيه جَعْدَ لغام

ألمْ أركبِ النفسَ اشتياقاً إليكم … غواربَ مخضّر الغواربِ طام

ألم أكُ في الغرقى مشيراً براحتي … فلم أنْجُ إلا من لِقَاءِ حِمامي

ألم أفقد الشمسَ التي كان ضوءها … يُجلي عن الأجفان كلّ ظلامِ

طعمتُ بهذا كله في لقائكم … لِتَغْرَمَ نَفْسٌ أُتْلِفَتْ بغرام

بقيَة َ أحبابي الذين حَوَتْهُمُ … مضاجعُ لم يُضْجَعْ بها لمنام

أخذتُ ذمامي مِنْ زماني عليكم … فما كان إلا غادراً بذمامي

تفرّقتمُ في البين، في كلّ وُجهة ٍ … نثير جُمانٍ، في انقطاع نظامِ

فحزبٌ يكفّ الدهرُ عنه عزيمتي … وحزبٌ تردّ الرومُ عنه مرامي

سأُعْطِي بشيرا قال لي: قد تجمَّعوا … ثوابَ صلاتي طائعاً وصيامي

وأرقُبُ يَوْماً فيه بالوَصْلِ تَلتقي … سجامُ دموعٍ بيننا بسِجام

متى آتكم يُنْشَرْ لكمْ من ضريحه … دفينُ اغترابٍ لا دفينُ رغامِ