غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ – عبدالجبار بن حمديس
غَيَّرَتْهُ غِيَرُ الدَّهْرِ فشابْ … ورمته كلُّ خود باجتناب
فغدا عند الغواني ساقطاً … كسقوط الصفر من عد الحساب
وتولى عنه شيطانُ الصبا … إذا رماه الشيبُ رجماً بشهاب
وكأنَّ الشَّعَرَ منه سَعَفٌ … يلتظي فيه شواظٌ ذو التهاب
أيها المُغْرِى بِتأنِيبِ شجٍ … سُلّطَ الوجد عليه، هل أناب؟
هامَ، لا همتَ، من الغيد بمن … حبّها عذبٌ، وإن كان عذاب
لمتَ، لا لمتَ، عميداً قلبهُ … عن سماعِ اللوم فيها ذو انقلاب
والهوى باقٍ مع المرء إذا … كان من عصرِ الصِّبا عنه ذهاب
بأبي من أقبلتْ في صورة ٍ … ليس للتّائب عنها مِنُ متاب
كُلُّ حُسْنٍ كامِلٍ في خَلقها … ليتها تنجو من العين بعاب
فالقوام الغصن، والردف النقا، … والأقاحُ الثَّغْرُ، والطَّلُّ الرُّضاب
ظبية ٌ في العقد إما التفتتْ … ومهاة حين ترنو في النقاب
ضاع قلبي فالتمسهُ عندها … تُلْفِهِ في النحر وُسْطَى بِسِخَاب
روضة ٌ تعبقُ نشرا ما لها … غُمست في ماءِ وردٍ وملاب
عنّفت رسلي، وردّت تحفي … وأتت تقرع سمعي بالعتاب
ومحتْ أسطر شوقٍ كُتبتْ … بدموع، نِقْسها قلبٌ مذاب
ثمّ غطت بنقاب خدّها … مَنْ رأى الشمس توارت بالحجاب
بكلامٍ يسْتبي أهلَ النَّهى … ويحطّ العصم من شمّ الهضاب
حيث أخلاقي رواضٍ خَضَعَتْ … في الهوى منها لأخلاقٍ صعاب
كيفَ لا أبكي بهذا كلّه … وأنا الفاقد ريعان الشباب
صدّت البيضُ عن البيضِ أما … كان ما بين الشبيهين انجذاب
أفلا أبكي شباباً فقدهُ … قلبَ الماء لظمآنٍ سراب
أخطأ الشيبُ ظباءً، والصِّبا … لو رماها خَذَفَاتٍ لأصاب
خُذ برأيٍ في زماع واصلٍ … طرفَيْهِ: بسفين وركان
واغتربْ وارجُ المنى كم من فتًى … معدمٍ نال المنى بعد اغتراب
إنَّ أتراحَ النوى يعقُبُها … بجزيلِ الحظِّ أفراحُ الإياب
وإذا نابك خطبٌ فاقرهِ … بمهيبٍ فهو للإسلام ناب
إنَّ للقائد عزا، جارُهُ … في جوار النجم محميّ الجناب
أسَدُ الروع الذي حملاقهُ … يُرْسِلُ اللحظَة َ موتاً فَيُهاب
صارمٌ يُبْكي دُمَى الرومِ دَماً … إن تغنَّى منه في الهام ذُباب
في جهادٍ قَرَنَ الله به … عنده الزّلفى إلى حُسْن المآب
كم بأرضِ الشرك من معمورة ٍ … أصبحت في غَزْوِهِ وهي يَبَاب
في أساطيلَ ترى أحشاءها … لبنات الرومِ فيهنّ انتحاب
ككناسٍ بغمتْ غزلانهُ … من زئيرٍ راعها منْ أُسْدِ غاب
كلّ مسودّ قراهُ خلقة ً … لابساً من ذلك الليل إهاب
إنّ ثعبان سراه يقتدي … في نعيب منه بالبرّ غراب
شجراتٌ حَمْلُها البيضُ إذا … نوّرتْ بالمشرفيات العضاب
أثمرتْ بالعينِ في الماءِ وإن … ثوّرتْ منه عجاجات العباب
تقرأ الأعلاجُ منها للردى … فوْقَ طِرْسِ الماءِ أسطارَ كتاب
مَنْ صناديدهمُ إنْ ساوروا … أسُدَ البيد وحيّات الشعاب؟
لستُ أدري أقلوبٌ منهمُ … أمْ صخورٌ في الحيازيم صِلاب
بُهَمٌ إن ثَوّبَتْ حَرْبٌ بِهِمْ … أوجفوا البُزْلَ إليها والعِراب
أيها العزم الذي منه زكا … في المعالي عنصر المجد وطاب
هاكها بنتَ ضميرٍ أعْرَبَتْ … عن معاليك بألفاظٍ عِذاب
يا لها من حكمة ٍ بالغة ٍ … خاطبَ الفضلَ بها فصلُ الكتاب
وَصِلِ الغزوَ بتدميرِ العدى … واحيَ في العزِّ لتسهيل الصعاب