وادي العرائش – محمد مهدي الجواهري

يومٌ من العُمْرِ في واديكِ مَعدودُ … مُستوحِشاتٌ به أيَّاميَ السُودُ

نزلتُ ساحتَكِ الغنَّاءَ فانبعثَتْ … بالذكرياتِ الشَّجيَّاتِ الأناشيد

واجتَزتُ رغمَ الليالي بابَ ساحرةٍ … مرَّ الشبابُ عليه وهو مسدود

قامَتْ قِيامتُه بالحُسْنِ وانتشرتْ … فيه الأهازيجُ والأضواءُ والغيد

ما وحدَهُ غرَّدَ الشادي لِيرْقِصَهُ … الماءُ والشجرُ المهتزُّ غِرِّيد

واد هو الجَّنةُ المحسودُ داخلُها … أو أنَّه من جِنان الخُلدِ محسود

ثقي ” زحيْلةُ ” أنَّ الحسْنَ أجمَعَهُ … في الكونِ عن حُسنكِ المطبوعِ تقليد

أنتِ الحياةُ وعمرٌ في سواكِ مضى … فإنما هو تبذيرٌ وتبديد

أقسمتُ أُعطي شبابي حقَّ قيمتهِ … لو أنَّ ما فاتَ منه اليومَ مردود

وكيفَ بي ونصيبُ المرء مُرْتَهَنٌ … به ، ومَغْنَمُهُ في العُمْرِ محدود

لم يأتِ للجَبَلْينِ العاطفَيْنِ على … واديكِ أبهى وأنقى منهُ مولود

زَفَّتْ له مُتَعُ الدُّنيا بشائرَها … واستقبلَتْهُ مِن الطيرِ الأغاريد

أوفى عليه يَقيهِ حَرَّ هاجرةٍ … سُرادِقٌ من لطيفِ الظلِّ ممدود

بالحََوْرِ قامَ على الجنبينِ يحْرُسُهُ … مُعَوَّذٌ من عُيونِ الناسِ مرصود

تناولَ الأفْقَ معتزّاً بقامتهِ … لا ينثني فَنَنٌ منه ولا عود

يقولُ للعاصفاتِ النازلاتِ بهِ … إليكِ عنيّ ، فغيرُ ” الحَوْرِ ” رِعديد

صُنْعُ الطبيعةِ ، بالأشجارِ وارفةً … لَهُ ، وبالنَّهَرِ الرّقراقِ ، تحديد

خَصَّتْهُ باللُطفِ منها فهو مُنْبَعِثٌ … ورُبَّ وادٍ جَفتْهُ فهو موءود

طافَ الخيالُ على شَتَّى مظاهرهِ … واستوقَفَتْني بهِ حتَّى الجْلاميد

تَفَجَّرَ الحجرُ القاسي بهِ وبدا … في وَجْنَةِ الصَّخرةِ الصَّماءِ توريد

تجري المياهُ أعاليهِ مُبعَثرَةً … لها هُنالكَ تصويبٌ وتصعيد

حتى إذا انحدَرَتْ تبغي قَرارتَهُ … تَضيقُ ذرعاً بمجراها الأخاديد

استقبلَتْها المجاري يَسْتَحِمُّ بها … زاهي الحصى فَلهُ فيهنَّ تمهيد

فهُنَّ في السفحَِّْ عَتْبٌ رقَّ جانبُهُ … وهن يزفُرْنَ فوقَ الصخرِ تهديد

ما بينَ عَيْنٍ وأُخرى فاضَ رَيِّقُها … أنْ تُلْفَتَ العينُ أو أنْ يُعطَفَ الجْيد

هذي ” المسيحيَّةُ ” الحسناءُ تكَّ على … شرعِ ” المسيحِ ” لها بالماءِ تعميد

كأنَّها ، وعُيونُ الماءِ تَغْمُرُها ، … مُستْنزَفُ الدَّم مِن عِرْقَيْهِ مفصود

بُشرى بأيلول شَهرٍ الخْمرةِ اجتَمَعَتْ … على العرائشِ تَلْتَمُّ العناقيد

للهِ درُّ العَشِيَّاتِ الحِسانِ بها … يُسْرِجْنَ ظُلمتَها الغِيدُ الأماليد

لُطْفُ الطبيعةِ محشودٌ يتّمِمُهُ … جمعٌ لطيفٌ من الجنسَيْنِ محشود

في كلِّ مُقهىً عشيقاتٌ نزلنَ على … ” وادي الغرامِ ” وعُشَّاقٌ معاميد

تدورُ بينهُمُ الأقداحُ لا كَدَرٌ … يعلو الحديثَ ولا في العيشِ تنكيد

الرَّشْفَةُ النزرُ من فرط ارتياحِهِمِ … كأسٌ مُفايَضَةٌ والكأسُ راقود

خَوْدَ البِقاعِ لقد ضُيّعْتِ في بَلدٍ … تنَاثَرتْ فوقهُ أمثالُكِ الخُود

أُسلوبُ حُسْنكِ مُمتازٌ فلا عَنتٌ … في الروح منهُ ، ولا في السَبْكِ تعقيد

نهداكِ والصدرُ ” ثالوثٌ أُقدّسُه … لو كانَ يُجمَعُ تثليثٌ وتوحيد

الخَمْرُ ممزوجةً بالرِّيقِ راقصةٌ … والكأسُ مرَّتْ بثغرٍ منكِ عِربيد

لو يُستجاب رجائي ما رجوتُ سوى … أنّي وشاحٌ على كَشْحيكِ مردود

جارَ النِطاقُ عليها في حكومتهِ … فالرِّدفُ مُنتعِشٌ والخَصْرُ مجهود

وأْعلَنَتْ خيرَ ما فيها مَلابسُها … مُنَمَّقاتٌ عليهنَّ التجاعيد

وكشَّفَتْ جَهْدَ ما اسطاعَتْ محاسنَها … ولم تدَعْ خافياً لو لا التقاليد

ما خَصرُها وهو عُريانٌ تتيهُ بهِ … أرقُّ منه إذِ الزُّنَّارُ مشدود

أمَّا البديعانِ من عالٍ ومُنْخَفِضٍ … فِداهما كلُّ حُسْنٍ أُعطىَ الغيد

فقد تجسَّمَ هذا غيرَ محتَشِمٍ … من فرطِ ما ضَيَّقتهُ فهو مشهود

ونطَّ ذيّاك مرتجّاً تقولُ : بهِ … رِيِشُ النعامِ على الوِرْكَيْنِ منضود

إيَّاكَ والفتنةَ الكبرى فنظرتُها … مسحورةٌ ، كلّها همٌّ وتسهيد

إذا رَمَتْكَ بعينَيْها فَلبِّهِما … واعلَمْ بأنَّكَ مأخوذٌ فمصفود

وإنَّما الحبُّ زَحليٌّ فلا صِلةٌ … ولا صدودٌ ، ولا بُخْلٌ ، ولا جود

يا موطِنَ السِحرَ إنَّ الشِعر يُنعْشُه … فيضٌ من الحُسْنِ في واديكَ معهود

خيالُهُ من خيالٍ فيكَ مأخذهُ … ولطفُ معناه من معناكَ توليد

اهتاجني موعدٌ لي فيك يجمعُني … كأنَّني بالشَّباب الطَّلْقِ موعود

وريعَ قلبيَ من ذكرى مُفارَقَةٍ … كأنَّني من جِنانِ الخُلْدِ مطرود

لا أبعدَ اللهُ طيفاً منك يؤنسني … إذا احتوتنيَ في أحضانها البيد