حنين – محمد مهدي الجواهري
أحِنُّ إلى شَبَحٍ يَلْمَحُ … بِعينَيَّ أطيافُه تَمْرَحُ
أرى الشَّمْسَ تُشْرِقُ من وجهِهِ … وما بينَ أثوابِه تجنح
رضيِّ السّماتِ ، كأنَّ الضَّمير … على وَجْهِهِ ألِقاً يَطْفَح
كأنَّ العبيرَ بأردانهِ … على كلِّ ” خاطرةٍ ” يَنْفح
كأنَّ بريقَ المُنى والهنا … بعينيهِ عن كوكبٍ يقدح
كأنَّ غديراً فُويقَ الجبينِ عن … ثقةٍ في ” غدٍ” يَنْضَح
كأنَّ الغُضونَ على وَجْنَتيهِ … يكنُّ بها نغمٌّ مُفرِح
كأنَّ بهامتهِ منْبعَاً … من النُور ، أو جمرةً تجدح
كأنَّ ” فَنَاراً ” على ” كاهل ” … يُنارُ بهِ عالَمٌ أفسح
وآخَرَ شُدَّتْ عليه يدٌ … فلا يَسْتَبينُ و لا تُفْتَح
أحنُّ إليهِ بليغَ الصُمُوت … معانيهِ عَنْ نَفْسِها تُفْصِح
تَفايَضَ منهُ كموجِ الخِضمِّ … أو لحنِ ساجعةٍ تصدَح
جَمالٌ . وليسَ كهذا الجمال … بما بهرَجَتْ زِينةٌ يُصْلَح
كأنَّ الدُّهورَ بأطماحِها … إلى خِلقةٍ مِثْلِهِ تَطْمَح
كأنَّ الأمورَ بمقياسهِ … تُقاسُ فتؤخذُ أو تُطرح
كأنَّ الوجوهَ على ضَوئهِ … نلوحُ فتَحْسُنُ أو تَقبح
يُداعِبُني إذ تَجِدُّ الخُطوبَ … فأمْزَحُ منها كما يَمْزَح
يُشَدُّ جَناني بعَزْماتهِ … ودمعي بِبَسْماتهِ يُمْسَح
ويُبْرِدُ نَفسي بأنفاسهِ … إذا لَفَّني عاصفٌ يَلْفَح
ويَطْرقُني كلَّما راودَتْ … ضميريَ فاحشةٌ ترشَح
وكِدْتُ أُطاحُ بإِغرائِها … فأحْدو ركائبَ مَنْ طُوِّحوا
فيمشي إليَّ وثِقْلُ الشُكوك … مُنيخٌ على النَفْسِ لا يَبْرَح
وقد أوشكَ الصَّبرُ أنْ يلتوي … ويَكسِرَهُ المُبْهِضُ المُتْرِح
وحينَ تكادُ شِغافُ الفؤاد … بِسِكّينِ مُطْمِعةٍ تُجْرَح
وإذْ يُركِبُ النَفْسَ حَدَّ الرَّدى … عِنانٌ من الشرِّ لا تُكبَح
وإذْ يعْصُرُ القلبَ حُبُّ الحياة … وكأبوسُ حِرمانها المُفْدِح
فيرفعُ وجهي إلى وَجهِه … ويقرأُ فيه ويَسْتَوضِح
فأرجفُ رُعباً كأنَّ الحشا … تَخَطَّفَهُ أجدَلٌ أجدَح
وأفْهَمُ مِنْ نظرةٍ أنَّني … لشرٍّ فكَرْتُ بهِ أصْلُح
وأنَّ الضَّميرَ بغيٌّ يجيء … لها ” الَّليلُ ” ما ” الصُّبْحُ ” يَستقبِح
وأنْ ليسَ ذلكَ مِنْ دَيْدَنٍ … لِمَنْ هَمّهُ عالَمٌ أصْلَح
فأنهالُ لثماً على كفّهِ … وأسألُ عفواً وأسْتَصْفِح
أحِنُّ له : وكأنَّ الحياةَ … خضراءَ مِنْ دونه ، صَحْصَح
أحِنُّ له : وأحبُّ الكَرَى … لسانحةٍ منهُ قد تَسْنَح
أحِنُّ له : ليسَ يَقْوَى النَّعيمُ … وكُلُّ لذاذاتهِ مُرْبِح
ولا كلُّ ما نَهَزَ الناهِزون … من المُمتِعاتِ وما استَنْزَحوا
ولا كلُّ ما أمَّلَ الآمِلون … ولا مُخْفِقٌ منهُ ، أو مُنْجَح
لِتَعْدلَ مِنْ ثَغْرهِ بسمةً … بها نَسْمةُ الخْلدِ تُسْتَرْوَح
فيا ليتني بعضُ أنفاسهِ … لأمْنَحَ مِنْهُنَّ ما يُمْنَح
ويا ليتني ” ذرّةٌ ” عندَه … لأسْبَحَ في فَلَكٍ يَسْبَح
أحنُّ إلى شبحٍ يلمحُ … بعيَنَّي أطيافُه تَمْرَح