أطبق دجى – محمد مهدي الجواهري
أطْبِقْ دُجى ، أطْبِقْ ضَبابُ … أطْبقْ جَهاماً يا سَحابُ
أطبق دخانُ من الضمير … مُحَرَّقاً أطبق ، عَذاب
أطبق دَمارُ على حُماةِ … دمارِهم ، أطبق تَباب
أطبق جَزاءُ على بُناةِ … قُبورِهم أطبق عِقاب
أطبق نعيبُ ، يُجِبْ صداكَ … البُومُ ، أطبق يا خَراب
أطبق على مُتَبلِّدينَ … شكا خُمولَهمُ الذُّباب
لم يَعرِفوا لونَ السماءِ … لِفَرْطِ ما انحنَت الرقاب
ولفرطِ ما دِيسَتْ رؤوسهمُ … كما دِيسَ التراب
أطبق على المِعزى يُرادُ … بها على الجوعِ احتِلاب
أطبق على هذي المُسوخ … تَعافُ عيشتَها الكلاب
في كلّ جارحةٍ يلوحُ … لجارحٍ ظُفرٌ وناب
يجري الصدِيدُ مِن الهوانِ … كأنه مِسكٌ مُلاب
أطبق على الدِيدانِ … ملَّتها فَيافيكَ الرِّحاب
أطبق على هذي الوجوه … كأنها صُوَرٌ كِذاب
المُخرَساتُ بها الغُضونُ … فلا سؤالَ ولا جواب
بُلهاً تدورُ بها العيونُ … كأنَّ صحصَحَها سَراب
ملَّ الفؤادُ من الضمير … وضجَّ بالرُّوح الإِهاب
أطبقْ على مُتفرقّينَ … يَزيدُ فُرْقَتَهم مُصاب
يتبجَّحونَ بأنّ إخوتَهم … يحُلُّ بهم عَذاب
ندِموا بأنْ طلبوا أقلَّ … حقوقهم يوماً فتابوا
وتأوَّبوا للذلِّ يأكل رُوحَهم … نِعْمَ المآب
أطبق على هذي الكرُوشِ … يَمُطُّها شَحْمٌ مُذاب
مِن حولِها بقرٌ يَخورُ … وحولَه غَرثى سِغاب
أطبق إلى أنْ ينتهي … للخاطبينَ بكَ احتِطاب
أطبق على مُتنَفِّجينَ … كما تَنفَّجت العِياب
مستنوقِينَ ويزأرونَ … كأنهم أُسْدٌ غِلاب
يَزهوهمُ عَسَلٌ ويُلهيهم … عن العلياءِ صاب
يَمشي مِن الأمجاد … خَلْفَهُمُ بميسَرةٍ رِكاب
فاذا التقت حَلَقُ البِطانِ … وجدَّتِ النُوبُ الصِّعاب
خفَقَت ظِلالُهم وماعوا … مِن نُعومَتِهم فذابوا
ونَجَوا بأنفُسِهمْ وراحت … طُعمَةَ النارِ الصحاب
أطبق دُجى ، لا يَنْبَلِجْ … صُبْحٌ ولا يَخْفِقْ شِهاب
أطبق فتحتَ سماكَ … خَلقٌ في بصائرهِ مُصاب
لا ينفتحْ – خوفاً عليه … مِن العمى للنور باب
أطبق إلى يومِ النشور … ويومَ يكتملُ النصاب
أطبق دُجى حتَّى يقئَ خُمولَ … أهلِ الغاب غاب
أطيق دُجى : حتى يَمَلَّ … من السوادِ بهِ الغُراب
أطيق دُجى : حتى يُحَلِّقَ … في سماواتٍ عُقاب
غضبانَ أنْ لم تحمِ أعشاشاً … لها طير غِضاب
أطبق دُجى : يَسْرَحْ … بظلّك ناعماً عار وعاب
من لونك الداجي رِياءٌ … وارتياعٌ وارتياب
يا عِصمةَ الجاني ويا … سرحاً تلوذُ به الذئاب
يا مَن مشتْ بدمائها … فيه الخناجرُ والحِراب
يا مَن يضِجُّ من الشرورِ … الماخراتِ به العُباب
يا مَن تَضيقُ من الهوام … الزاحفاتِ به الشعاب
كُن سِتْرَ مُجرمِةٍ تهاوَتْ … عن جريمتِها الثباب
أطبق : فأين تفِرُّ إنْ … تُسفرْ وينحدرِ النِقاب؟
هذي الغَباوات الكريمةُ … والجمودُ المُستطاب
هذا النفاقُ تَرُبهُ … صُحُفٌ ويُسْمِنُه كِتاب
أطبق دُجى ، حتى تجولَ … كأنها خيلٌ عراب
هذي المعرَّات الهِجانُ … لها لظُلمتِك انتساب
أطبق : فأنتَ لهذه السوءاتِ … عاريةً – حجاب
أطبق : فأنت لهذه الأنيابِ … مُشحذةً – قراب
أطبق : فأنت لهذه الآثامِ … شامخةً شباب
أطبق : فأنت لصِبغةٍ منها إذا … نصَلَتْ خِضاب
كُنْ سِتْرَها لا يَنبلِجْ … صُبحٌ ولا يَخْفِقْ شهاب
أطبق دُجى : أطبق ضَباب … أطبق جَهاماً يا سحاب ُ