معرض العواطف – محمد مهدي الجواهري
أبرزتُ قلبي للرماة معرَّضا … وجلوت شعري للعواطف مَعرِضا
ووجدتُني في صفحةٍ وعقبيها … متناقضاً في السُخْط مني والرضا
أبرمتُ ما أبرمتهُ مستسهلاً … ان حانَ موعِدُ نقضِه ان يُنقَصا
ونزلتُ منه على الطبيعة منزلاً … الفيتُني فيه على جَمر الغَضا
متجانياً عن خير مَن أبغَضتَهُ … ولشرِّ من أحببتُه مُتعرَّضا
ومدَحْتُ من لا يستحقُّ وراقَ لي … تَكفيرتي بهجائِه عما مَضى
ووجدتُني مُستصعِباً إطراءَ مَن … أطريتُه بالأمسِ طَوعاً ريِّضا
وحَمِدت أني عبدُ قلبي ما اشتهَى … أن ينثني بوِدادِه أو يُمحَضا
وحمدت من هذا اللسان سُكوتَه … حتى يُحرِّكَه الفوآدُ فينبضا
فوَّضتُه وحَمَلت ألفَ مصيبة … من أجل أن راح الفوآدُ مفوَّضا
نافقتُ إذ كان النفاق ضريبةً … متحرِّقاً من صَنعتى مترمِّضا
ولكم قَلِقتُ مسهَّداً لمواقفٍ … حَكَمت عليَّ بأن أداري مُبغِضا
ولَعَنت ربَّ الشعر فيما اختار لي … وبما قَضى ، ولَعَنت أحكامَ القَضَا
وصَدَعت فيها بالصراحة مَرةً … زمراً تُجوِّدُ ان تقولَ فتُغمِضا
ولقد حَدَوت بأصغَريَّ ليُمليا … ما يطلُبان على اليراع ويَفرِضا
غَلَبَ السرورُ فشعَّ رونقُ بعضِها … وخبا رُواءُ الأخرَيات فغُيِّضا
واسوْدّ بالنِيات سوداً خاطرٌ … ومَشَى على البعضِ الصفاءُ فبيَّضا
وخلا فجفَ من العواطف بعضُه … وزها بها بعضٌ فرفَّ وروَّضا
وأتى على عفوٍ فصحَّ نسيجُه … بعضٌ وبعضٌ بالتكلف أمرَضا
وضَحِكت من تشبيهِ ما استعجَلتهُ … بالسَقْط أعجله المخاض فأجهَضَا
ووجدتُ في أثنائها رَجعيَّةً … طَفَحَت وكنت لها الدوَّ المُبغِضا
ولكم تبينت الجمودَ مُجسَّماً … في بعض ما قد قلتُه مستنهضا
ولقد حَسِبت مُصارحاً مُتخلِّعاً … في مؤنساتٍ قلتُهن مُعرِّضا
فوددتُ لو أنّي استقيتُ تَرفُّهاً … فيها استَقَيتُ من المجونَ تَبرُّضا
وأنفِت من هذي الطبيعة حرةً … يعاتقُها التدليسُ أن تتمخَّضا
وخِشيتُها مكبوتةً لتحفُّزٍ … كالليثِ أرهَبُ ما يُري أن يربِضا
وعَجبِتُ ممن لستُ أبلغُ شأوَه … في الموبقات توغُّلاً وتعرُّضا
عَبَّرتُ في الإحماض عن شهواته … ومضى عفيفاً مُنكِراً أن أُحمِضا
وكشفتُ عن هذي الطبائع ثوبَها … وبسطتهنَّ حريصةً أن تُقبَضا
فإذا بها الحشرات تسكن جيفةً … مستورةً ، والخزيُ ان تَتَنفَّضا
ورأيتها ملأَى بكل رذيلةٍ … تجري مع العرق الخبيث تحرُّضا
فإذا استثار الشعرَ بعضُ صفاتها … شوهاءَ ؛ اوجعَها البيانُ وأمعَضا
واستثقلت كشفي لهُنَّ ، ولذَّ لي … كوني على ما استَثْقَلتْه مُحرَضا
ووجدتُ في هَتكِ الرياء مخاضَةً … وحَلفت أبرحُ ما استطَعت مخوِّضا
وأعادَت الذكرى إليَّ أليمةً … لما انبريتُ بجمعِها مستعرِضا
فهنا التي أطريتُ فيها خُلَّباً … كَذِباً خُدِعِتُ ببشره إذ أومَضا
اعطيتُه قلبي يفيضُ عواطفاً … حتى إذا عَلقَت حبالٌ أعرَضا
واستامَني للمرجفين دريئةً … يهدي إليها شامتا او مُغرِضا
حتى إذا كشَّفتُ عن غَدَراته … قالوا تقلَّبَ ناقداً ومقرِّظا
وهنا التي فاضت بجرح ناغِرٍ … مَضَت السنونَ الجارحاتُ وما مضى
وهنا التي فتَّشتُ عن شَبحٍ لها … فذا به مثل الخِضاب وقد نضا
سيسوء بعضاً ما أرى إثباتَه … ويسُرُّ بعضاً ما أرى ان يُرفَضا
ومزيَّتي وهي الوحيدة أنني … جاريتُ طبعي في الكثير كما اقتضى
وجعلتُ آخرَ ما يمرُّ بخاطري … تفكيرتي ان يُجتَوى او يُرتَضَى
ولعلَّ احسنَ ما به من صالحٍ … عن شرِّ ما فيه يكونُ معوِّضا
وهناكَ دَينٌ للبلاد قضاءُه … حتمٌ عليَّ ، وقد اعيشُ فيُقتَضَى