أغشُّ بآمالي كأنيَ أنصحُ – مهيار الديلمي

أغشُّ بآمالي كأنيَ أنصحُ … و أبقى َ لأشقى َ بالبقاء وأفرحُ

و أصبو إلى وجهٍ من الدهر مسفرٍ … ضحوكٍ ووجهي في الخمار مكلحُ

و يعجبني إملاء يومٍ وليلة ٍ … و ما الموتُ إلا غابقٌ أو مصبحُ

مطلتُ بديني والغريمُ مصممُ … و أحسنتُ ظني والمسيءُ مصرحُ

تدمى المنايا الناسَ حولي وإنما … دمي ذاك في أثوابهم يتنضحُ

و أسلو إذا أبصرتُ جلديَ أملسا … و ما صحة ٌ في الجلدِ والقلبُ يجرحُ

إذا مرَّ يستقري من الهالكُ الردي … يميلُ في أبنائه ويرجحُ

تطامنتُ أرجو أن أفوتَ لحاظه … فأخفي وعينُ الموت زرقاءُ تلمحُ

و قد غرني ليلُ الشباب فأين بي … أضلَّ وفجرُ الشيب عريانُ مصبحُ

و أقرب شيء من قضيبٍ جفوفهُ … إذا الورقاتُ الخضرُ ظلتْ تصوحُ

تتيمَ بالعمرِ الجذاعُ وخانهم … فما ليَ أرجو وده حين أنزحُ

و قد كان قدامى مدى منه يرتجى … هو اليومَ ملقى ً من ورائيَ يطرحُ

حسوتُ بمرَّ الدهر حبا لحلوه … فطورا يصفى لي وطورا يصبحُ

إذا برني في صاحبٍ بزَّ صاحبا … أغنى بشعري تارة ً وأنوحُ

أبيحُ الترابَ أوجها كان مسخطي … على الشمس منها الساهمُ المتلوحُ

و أحثو بكفيّ أو أشقُّ حفيرة ً … يهال على قلبي ثراها ويصرخُ

ترى الحق مطروفا وتعشى لواحظٌ … يراقصها هذا السرابُ الملوحُ

يودُّ الفتى أن البسيطة َ دارهُ … و ما فوقها مالٌ عليه يروحُ

و سيعة ُ بطنٍ جلَّ ما هو محرزٌ … و مطرحُ جنبٍ جهدَ ما يتفسحُ

تبايعنا الدنيا منى ً بنفوسنا … فتوكسُ غبنا والمبايع مصلحُ

فلا نحن من فرط الخسارة ِ نرعوي … و لا هي ترضى فرطَ ما هي تربحُ

فما لكِ يا دنيا وأنتِ بطينة ٌ … و نحن خماصٌ تبخلين ونسمحُ

ألا طرقتْ لا يملأ الليلُ صدرها … و لا تتحاشى صارخا حين تصبحُ

مغلغلة ً لا طودَ يعصمُ ما ارتقت … و لا موئلٌ من حيث تهبطُ أبطحُ

وصولاً إلى البيت الذي تستضيفه … و لا موقدٌ يوري ولا كلبَ ينبحُ

لها من قرى ما استصلحتْ وتخيرتْ … حشايا توطى أو صفايا تذبحُ

أصابت صريحَ المجد من حيث ينتمي … و غضت لحاظَ الفضل من حيث تطمحُ

و حلت فحكت بركها من محمدٍ … بجانب ركنٍ لم يكن قبلُ ينطحُ

قويمٍ على عرك الخطوب فما له … و قد زحمته زحمة ٌ يتطوحُ

سلا مقعصَ الأقران من أيَّ طعنة ٍ … تقطرَّ عن ظهر الكفاية يطرحُ

و قاطعِ مثناة ِ الحبال حرانهُ … بأيّ زمامٍ قيدَ يعنو ويسمحُ

و من هزَّ من بين الوسائد طودهُ … و في دسته ثهلانُ لا يتزحزحُ

و قولا وإن لم يخرق التربَ صائحٌ … إليه ولم يفهم صدى الأرض موضحُ

أبا حسنٍ أما الرجاءُ فخائب … و أما الرجا فيما نعاك فمنجحُ

حملتُ الرزايا جازعا ثمّ صابرا … على ذاك حسنُ الصبر بعدك يقبحُ

و واصلتُ من أحببتُ ثم فقدتهُ … فما نازلٌ إلا وفقدك أبرحُ

ذكرتك إذ غصّ النديُّ فلم يشرْ … نصيحٌ ولم ينطق لسانٌ مفصحُ

و لا أضمرتْ صدقا معاقدُ حبوة ٍ … جثا بفخارٍ ربها يتبجحُ

و قد غاض بحرٌ كان فكرك مده … و أرتجَ بابٌ كان في فيك يفتحُ

و قد جاء نجمٌ من جمادى بليلة ٍ … بليلٍ يريك الطولُ أن ليس تصبحُ

يسائلُ عن أطناب بيتك ضيفها … ردائدَ خطفِ البرقِ فيما تلوحُ

تعيفَ طيرا بارحاتٍ يسرنهُ … بفقدك قد كانت ميامينَ تسنحُ

فبات صعيدُ الأرضِ والريحُ زادهُ … شقياً بما يستافُ أو يتنقحُ

بليلة بؤسٍ فات معتامها القرى … كما فاتها منك المصلى المسبحُ

و للأمر كنتَ الليثَ إما حفظتهُ … تعاوتْ تعاطاه ثعالبُ تضبحُ

رعى بعدك الشقُّ الذي كنت حامياً … له وعتا الخرقُ الذي كنت تنصحُ

و خلى َ للعجز التنافسُ واستوى … على الجهل سرحٌ سائمٌ ومسرحُ

و قام رجالٌ كان فضلك مقعدا … لهم فتراءوا للعلا وترشحوا

بلا عائبٍ تزري على سيئاتهم … محاسنهُ والنقصُ بالفضل يفضحُ

لئن حرصوا فيما عمرت تعافهُ … فربتَ ساعٍ للدنية يكدحُ

تمالوا على ما كنتَ تأباه أوحداً … و منوا بما استضعفته وتمدحوا

و ما ازدحموا أن القذى بعدك انجلى … عن الماء لكن يشربون وتقمحُ

فداكَ وهل حيٌّ فداءٌ لميتٍ … قصيرُ الخطا يكبو بما كنتَ تجمح

تعجبَ لما ساد من حظَّ نفسه … و قد يدرك الجدُّ الدنيَّ فيفلحُ

و لما رأيتَ الدهرَ ضاقت ضلوعهُ … بحملك وهي للئام تفسحُ

أنفتَ من الدنيا الذليلة ِ عارفا … إذا عيشة ٌ ضامتك فالموت أروحُ

و ذكرنيك الودُّ أحليتَ طعمه … و أصفيتَ فهو الآن يقذي ويملحُ

ضربتُ عن الإخوان صفحا مؤملا … بأن الردى لي عنك وحدك يصفحُ

و أغنيتني وداً ورفدا بحاجة ٍ … من اليوم ما أرتادُ أو أتمنحُ

أعلل نفسي عنك لو أن مسقما … يفيق بنوعٍ من جوى ً أو يصبحُ

و أرقعُ أيامي أروم صلاحها … و قد فسد العيشُ الذي كنت تصلحُ

سألتُ بك الأيام أرجو مسرة ً … فلما أبت إلا التي هي اترحُ

ضحكتُ إلى ناعيك أحسب أنه … و قد جدَّ إكبارا ليومك يمزحُ

عفا ربعُ أنسي منك ضيقا وما عفا … بساحة ِ قلبي منزلٌ لك أفيحُ

به ساكنٌ من طيبِ عهدك عامرٌ … يريح عزيبَ الحزن من حيث يسرحُ

إذا ذبلت فيه على الصبر جمرة ٌ … خمودا ورى زندٌ من الذكر يقدحُ

و ذاك اللسانُ الرطبُ لا زال في فمي … هو اليومَ يرثي مثله أمس يمدحُ

يقول وإن لم يغنِ عنك وإنما … ملأتَ إناءً نعمة ً فهو يرشحُ

و لو ردَّ قبلي الموتُ بالشعر أو مضى … شبا لسنٍ أو عاش في الدهر مفصحُ

نجا لائذا بالعزّ في غير قومه … و قد سبق الناسَ الغريبُ المقرحُ

و مستنزلُ النعمان عن سطواته … ينتقي من عذرة ٍ وينقحُ

و عروة ُ لم يصغِ الردى لنسيبه … و لم يعطَ في قيسٍ مناه الملوحُ

و غير غيلانُ المهاري بعنسهِ … فلم تنجه من عدوة الموتِ صيدحُ

و لكنه شرطُ الوفاء وغمة ٌ … على الصدر باستخراجها أتروحُ

ذممتُ فؤادي فيك والحزنُ محرقٌ … و عاتبتُ جفنَ العين والدمعُ مقرحُ

و ما عجبٌ للدمع أن ذلَّ عزه … فما جمّ إلا أنه لك ينزحُ

و أقسمُ ما جازاك قلبٌ بما طوى … غليلا ولا قولٌ يطولُ فنشرحُ

و لا كان في حكم الوثيقة أن أرى … عليك الثرى كلاَّ وجسميَ ريحُ

و ما أنا إلا قاعدٌ عن فضيلة ٍ … إذا قمتُ فيها مائلا أترنحُ

سقاك وإن كان الثرى بك غانيا … عن السحب غادٍ بالحيا متروحُ

حمولٌ لماء المزن تطفو لصوبه … فواغرُ أفواهِ الجواءِ فتطفحُ

إذا خار ضعفا أو تراخى حدتْ به … مواقرُ من نوءِ السماكين دلحُ

يجفلُ طردُ الريح فيها كأنها … سفينٌ جوارٍ أو مراسيلُ جنحُ

شجاعٌ كأنتَ أو جوادٌ بمائه … فإن عاقه ضنٌّ فعينيَ تسفحُ

ليعلمَ قبرٌ بالمدينة أنني … من الغيثِ أوفيَ أو من الغيثِ أسمحُ