أربَّة ُ العودِ ، أم قمريَّة ُ السَّحرِ – محمود سامي البارودي

أربَّة ُ العودِ ، أم قمريَّة ُ السَّحرِ … غَنَّتْ فَحَرَّكَتِ الأَشْجَانَ بِالْوتَرِ؟

حَوْرَاءُ لِلسِّحْرِ فِي أَلْحَاظِهَا أَثَرٌ … يُريكُ أنَّ الرُّقى ضَربٌ منَ الهذَر

لَوْ لَمْ تَكُنْ قَمراً فِي الْحُسْنِ مَا ظَهَرَتْ … لأعينِ النَّاسِ فى ليلٍ مِنَ الشَّعَر

أَمْلَتْ عَلَيَّ بِلَحْظَيْهَا حَدِيثَ هَوى ً … عرفتُ منهُ ضَميرَ العينِ بِالأثرِ

كأنَّما بينَ جفنيها إذا نظَرَت … ” هاروتُ ” يعبَثُ بالألبابِ والفِكرِ

لاَ غَرْوَ أَنْ هِمْتُ مِنْ وَجْدٍ بِصُورَتِهَا … فَالْحُسْنُ مَشْغَلَة ٌ لِلْعَقْلِ وَالْبَصَرِ

لا تَقنعُ العينُ منها كلَّما نظرتْ … وكيفَ يقتَنعُ المشتاقُ بالنَظرِ ؟

ناغيتُها بلسانِ الشَّوقِ ، فازدهَرت … لِلْحُسْنِ فِي وَجْنَتَيْهَا وَرْدَتَا خَفَرِ

وَازْوَرَّ حَاجبُهَا عَنْ نَظْرَة ٍ رَشَقَتْ … سَوَادَ قَلْبِي بِسَهْمٍ صِيغَ مِنْ حَوَرِ

فلم أزَل بِرُقى الأشعارِ أعطِفُها … وَرُقْيَة ُ الشِّعْرِ تُجْرِي الْماءَ فِي الْحَجَرِ

حتَّى إذا عَلِمت أنِّى بِها كَلِفٌ … وَأَنَّنِي مِنْ تَجَنِّيها علَى خَطَرِ

تَبَسَّمَتْ، فَجَلَتْ لِلْعَيْنِ مِنْ فَمهَا … يَاقُوتَة ً أُودِعَتْ سَطْرَيْنِ مِنْ دُرَرِ

فَبِتُّ مِنْ وَصْلِها، في جَنَّة ٍ يَنَعَتْ … أَفْنَانُهَا بِثِمَارِ الأُنْس والْحَبَر

أبَحتُ للعينِ فيها ما تَقَرُّ بهِ … وَذُدْتُ كَفَّ الصِّبَا عَنْ مَعْقِدِ الأُزُرِ

حتَّى اشْرَأَبَّتْ عُقَاب الْفَجْرِ، وانْطَلَقَتْ … حمائمُ الشُهبِ من أُحبولة ِ السَحَرِ

فيا لَها ليلة ً كانت برونَقِها … تَارِيخَ لَهْوٍ لِمَا أَحْرَزْتُ مِنْ وَطَرِ

وَسَمْتُهَا بِضِياءِ الْكَأْسِ، فَالْتَمَعتْ … وَزِينَة ُ الدُّهْمِ في الأَوْضَاحِ وَالْغُرَرِ

لو كانَ يسمحُ لى دهرى بِعودتِها … لَبِعْتُ فِيها لَذِيذَ النَّوْمِ بِالسَّهَرِ

ولَّتْ ، فلم يبقَ مِنها غيرُ فَذلَكة ٍ … تَلوحُ فى دَفترِ الأوهامِ والذُكَرِ

وأى ُّ باقٍ على الأيامِ نَطلبهُ … وَكُلُّ وَارِدَة ٍ يَوْماً إِلَى صَدَر

فَلاَ تَثِقْ بِوَفَاءِ الدَّهْرِ، إِنَّ لَهُ … غَدراً يفوِّقُ بينَ العودِ والثمرِ

ولا تَغرَّنْكَ من وَجهٍ بشاشَتهُ … فَالسَّمُّ يُوجَدُ في نَضْرٍ مِنَ الشَّجَرِ

قد كِدتُ أُتهمُ ظنِّى فى فِراستهِ … مِنْ طُولِ مَا اشْتَبَهَتْ عَيْنَايَ فِي الصُّوَرِ

فَخُذ لِنفسكَ من دنياكَ ما سمحَتْ … بِهِ إِلَيْكَ، وَكُنْ مِنْهَا عَلَى حَذَرِ

وسالمِ الدهرَ تسلَمْ من غوائلهِ … فَصاحِبُ الشَّرِّ لاَ يَنْجُو مِنَ الْكَدر

لاَ يَبْلُغُ الْمَرْءُ مَا يَهْواهُ مِنْ أَرَبٍ … إلاَّ بِتَركِ الَّذى يخشاهُ مِن ضَرَرِ

فانعَمْ وطِب والهُ واطرَبْ واسعَ واعلُ وسُدْ … وَاشْرَبْ وغَنِّ وتِهْ وَالْعبْ وهِمْ وطِرِ

لاَ يَقْنَطُ الْمَرْءُ مِنْ غُفْرَانِ خَالِقِهِ … ما لم يَكُن كافِراً بالبعثِ والقَدَرِ