غَلَبَ الْوَجْدُ عَلَيْهِ، فَبَكَى – محمود سامي البارودي
غَلَبَ الْوَجْدُ عَلَيْهِ، فَبَكَى … وَتَوَلَّى الصَّبْرُ عَنْهُ، فَشَكَا
وتَمنَّى نَظرة ً يَشفِى بِها … عِلَّة َ الشوقِ ، فكانَت مَهلَكا
يَا لَهَا مِنْ نَظْرَة ٍ مَا قَارَبَتْ … مَهْبِطَ الْحِكْمَة ِ حَتَّى انْهَتَكَا
نَظرَة ٌ ضَمَّ عَليها هُدبَهُ … ثُمَّ أَغْرَاهَا، فَكَانَتْ شَرَكَا
غَرَسَتْ فِي الْقَلْبِ مِنِّي حُبَّهُ … وسَقتهُ أدمًعِى حَتَّى زكا
آهِ مِنْ بَرْحِ الْهَوَى إِنَّ لَهُ … بينَ جَنبى َّ منَ النارِ ذكا
كانَ أبقَى الوجدُ مِنِّى رمقاً … فَاحْتَوَى الْبَيْنُ عَلَى مَا تَرَكَا
إنَّ طَرفِى غَرَّ قَلبِى ، فَمَضى … فِي سَبِيلِ الشَّوْقِ حَتَّى هَلَكَا
قَد تولَّى إثرَ غِزلانِ النَقا … ليتَ شِعرِى ، أى َّ وادٍ سلكا
لم يَعُد بعدُ ، وظنِّى أنَّهُ … لَجَّ فِي نَيْلِ الْمُنَى فَارْتَبَكَا
ويحَ قَلبِى من غَريمٍ ماطِلٍ … كُلَّما جدَّدَ وعداً أفَكا
ظنَّ بِى سوءاً وقد ساوَمتهُ … قُبلَة ً ، فازورَّ حَتَّى فَرِكا
فاغتفِرها زَلَّة ً من خاطِئٍ … لَمْ يَكُنْ بِاللَّهِ يَوْماً أَشْرَكَا
يا غَزالاً نصبت أهدابهُ … بِيَدِ السِّحْرِ لِضَمِّي شَبَكَا
قَد مَلكتَ القلبَ ، فاستوصِ بهِ … إِنَّهُ حَقُّ عَلَى مَنْ مَلَكَا
لاَ تُعَذِّبْهُ عَلَى طَاعَتِهِ … بعدَ ما تيَّمتَهُ ، فَهو لَكا
غَلَبَ الْيَأْسُ عَلَى حُسْنِ الْمُنَى … فِيكَ، وَاسْتَوْلَى عَلَى الضِّحْكِ الْبُكَا
فإلى من أشتَكِى ما شَفُّنِى … مِن غَرامٍ ، وإليكَ المشتَكَى ؟
سَلَكت نَفسِى سبيلاً فى الهَوى … لم تَدَع فيهِ لِغيرَتِى مَسلَكا