خُذا مِنْ صَبا نجدٍ أماناً لقلْبِهِ – ابن الخياط
خُذا مِنْ صَبا نجدٍ أماناً لقلْبِهِ … فقدْ كادَ ريّاها يطيرُ بلُبهِ
وإيّاكُما ذاكَ النَّسِيمَ فإنَّهُ … إذا هَبَّ كانَ الوجدُ أيْسرَ خطْبهِ
خَلِيليَّ لَوْ أحْبَبْتُما لعَلِمْتُما … محلَّ الهَوى من مُغرَمِ القلبِ صبِّهِ
تذَكَرَ والذِّكْرى تُشُوقُ وذُو الهَوى … يَتُوقُ وَمَنْ يَعْلَقْ بهِ الحُبُّ يُصْبهِ
غرامٌ علَى ياْسِ الهَوى ورجائِهِ … وشوْقٌ على بُعدِ المَزارِ وقُربهِ
وفي الرَّكْبِ مَطْوِيِّ الضُّلُوعِ على جوى ً … متى يدعُهُ داعِي الغَرامِ يُلَبهِ
إذا خطَرْتَ منْ جانِبِ الرَّمْلِ نفْحَة ٌ … تضَمَّنَ منها داءهُ دُونَ صَحْبهِ
ومُحتَجِبٍ بينَ الأسنَّة ِ مُعرِضٍ … وفي القلْبِ منْ إعراضِهِ مثلُ حُجْبِهِ
أغارُ إذا آنَسْتُ في الحَيِّ أنَّة ً … حِذاراً وخوْفاً أنْ تَكُونَ لحُبِّهِ
ويومَ الرِّضى والصَّبُّ يحمِلُ سُخطَهُ … بقلبٍ ضعيفٍ عن تحَمُّلِ عَتْبهِ
جلالِيَ برّاقَ الثَّنايا شَتِيتَها … وحَلاّني عنْ بارِدِ الورْدِ عذْبِهِ
كأنِّي لَمْ أقصُرْ بهِ اللَّيلَ زائِراً … تَحُولُ يدِي بينَ المِهادِ وجنْبِهِ
ولا ذُقتُ أمناً مِنْ سَرارِ حُجُولهِ … ولا أرْتَعْتُ خوفاً منْ نَمِيمَة ِ حقْبِهِ
فيا لسقامِي منْ هوى مُتجنِّبٍ … بكى عاذِلاهُ رحمَة ً لمحُبِّهِ
ومنْ ساعة ٍ للبيْنِ غيرِ حميدة ٍ … سمحتُ بِطَلِّ الدَّمعِ فيها وسكْبهِ
ألا لَيْتَ أنِّي لمْ تَحُلْ بينَ حاجِرٍ … وبينِي ذُرى أعلامِ رضْوى وهَضْبِهِ
وليتَ الرِّياحَ الرّائِحاتِ خوالِصٌ … إليَّ ولْو لاقَيْنَ قلْبِي بكَرْبِهِ
أهِيمُ إلى ماءِ بِبُرْقَة ِ عاقِلٍ … ظَمِئْتُ علَى طُولِ الوُرُودِ بشُرْبِهِ
واَسْتافُ حُرَّ الرمْلِ شوقاً إلى اللِّوى … وقد أودَعَتْنِي السُّقْمَ قضْبانُ كثْبِهِ
ولستُ على وَجْدِي بأوَّلِ عاشقٍ … اصابَتْ سِهامُ الحُبِّ حبَّة َ قلْبِهِ
صَبَرْتُ على وَعْكِ الزَّمانِ وقدْ أُرى … خبيراً بِداءِ الحادِثاتِ وطِبِّهِ
وأعْرَضْتُ عنْ غُرِّ القَوافِي ومنْطِقِي … مليءٌ لمُرتادِ الكلامِ بخصْبِهِ
وما عزَّنِي لوْ شِئْتُ مَلْكٌ مُهذبٌ … يَرى أنَّ صَوْنَ الحمدِ عنهُ كَسَبِّهِ
لقدْ طالمَا هوَّمْتُ في سنَة ِ الكرى … ولا بُدَّ لِي مِنْ يقْظَة ِ المُتَنِبِّهِ
سألقى بِعَضْبِ الدَّولة ِ الدَّهرَ واثِقاً … بأمضى شباً مِنْ باتِرِ الحَدِّ عَضبِهِ
وأسمُو عنِ الآمالِ همًّا وَهِمَّة ً … سُمُوَّ جمالِ المُلْكِ عنْ كُلِّ مُشْبِهِ
هو الملْكُ يدعُو المُرْمِلينَ سماحُهُ … إلى واسِعٍ باعَ المكارِمِ رَحْبهِ
يُعنَّفُ مَنْ لم يأتهِ يومَ جُودِه … ويَعْذَرُ مَنْ لمْ يَلْقَهُ يومَ حرْبِهِ
كأنِي إذا حَيَّيْتُهُ بِصِفاتِه … أمُتُّ إلى بدْرِ السَّماءِ بِشُهْبهِ
هوَ السَّيفُ يغْشِي ناظِراً عندَ سَلِّهِ … بهاءٍ ويُرضِي فاتِكاً يومَ ضَرْبهِ
يَرُوقُ جمالاً أوْ يَرُوعُ مهابَة ً … كصَفحِ الحُسامِ المشرَفِيِّ وغَربهِ
هُمامٌ إذا أجْرى لغايَة ِ سُؤْدُدٍ … أضَلَّكَ عنْ شَدِّ الجَوادِ وخَبِّهِ
تَخَطّى إليْها وادِعاً وكأنَّهُ … تمطّى على جُرْدِ الرّهانِ وقُبِّهِ
وما أَبْقٌ إلا حياً مُتهَلِّلٌ … إذا جادَ لمْ تُقلِعْ مَواطِرُ سُحبِهِ
أغَرُّ غِياثٌ للأنامِ وعِصمَة ٌ … يُعاشُ بِنُعماهُ ويُحْمى بِذَبِّهِ
يقولونَ تِربٌ للغَمامِ وإنَّما … رَجاءُ الغَمامِ أنْ يُعدَّ كتِرْبهِ
فتى ً لمْ يَبِتْ والمَجْدُ مِنْ غيرِ همِّهِ … ولمْ يحتَرِفْ والحَمدُ منْ غيرِ كسبِه
ولم يُرَ يوماً راجِياً غيرَ سيفِهِ … ولمْ يُرَ يوماً خائِفاً غيرَ رَبِّهِ
تنزَّهَ عنْ نَيلِ الغِنى بِضَراعَة ٍ … وليسَ طعامُ الليثِ إلاّ بغَصْبِهِ
ألا رُبَّ باغٍ كانَ حاسمَ فقْرهِ … وباغٍ عليهِ كانَ قاصِمَ صُلْبهِ
ويومِ فخارٍ قدْ حوى خصْلِ مجدهِ … وأعْداؤُهُ فِيما ادَّعاهُ كحِزبهِ
هوَ السَّيفُ لا تلقاهُ إلا مُؤهلاً … لإيجاب عِزٍّ قاهرٍ أو لسلبهِ
منَ القومِ راضو الدَّهْرِ والدَّهرَ والدَّهرُ جامِحٌ … فراضُوهُ حتّى سكَّنُوا حدشَغْبهِ
بحارٌ إذا أنحتْ لوزِبُ محلِهِ … جِبالٌ إذا هبَّتْ زعازِعُ نُكبهِ
إذا وهَبُوا جادَ الغَمامُ بِصَوْبهِ … وإن غضِبُوا جاءَ العَرِينُ بغُلْبِهِ
إذا ما وردْتَ العِزَّ يوماً بنصرِهمْ … أملَّكَ مِنْ رَشفِ النَّميرِ وعَبِّهِ
أجابَكَ خطِّيُّ الوشيجِ بلُدْنِهِ … ولَبّاكَ هندِيُّ الحدِيدِ بقُضْبهِ
أُعيدَ لهمْ مَجْدٌ على الدَّهرِ بعْدما … مضى بقبيلِ المجدِ منهُمْ وشعبهِ
بأرْوَعَ لا تَعْيا لديهِ بمطْلَبٍ … سِوى شكلهِ فِي العالمينَ وضرْبهِ
تُروِّضُ قبلَ الروضِ أخلاقُهُ الثَّرى … وتَبْعثُ قبلَ السُّكرِ سُكراً لشربهِ
وتفخرُ دارٌ حلَّها بمُقامهِ … وتَشْرُفُ ارْضٌ مرَّ فيها برَكْبِهِ
ولما دَعَتْهُ عنْ دمشقَ عزيمة ٌ … أبى أنْ يُخِلَّ البدْرُ فيها بقُطْبِهِ
ترحَّلَ عنْها فهيَ كاسِفَة ٌ لهُ … وعادَ إليها فهيَ مُشْرِقة ٌ بهِ
وإنَّ محلاًّ أوطِئَتْهُ جِيادُهُ … لحَقٌّ على الأفواهِ تقبيلُ تُرْبِهِ
رأيتُكَ بينَ الحَزْمِ والجُودِ قائماً … مقامَ فتى المجدِ الصَّمِيمِ وندْبِهِ
فمنْ غِبِّ لا تُساءُ بوِردِه … ومِنْ وردِ جُودٍ لا تُسَرُّ بغبِّهِ
ولمّا اسْتَطالَ الخطْبُ قصَّرْتَ باعَهُ … فعادَ وَجِدُّ الدَّهْرِ فيهِ كلَعبهِ
وما كانَ إلاّ العَرَّ دَبَّ دَبِيبُهُ … فأمنْتَ أنْ تُعْدى الصِّحاحُ بجُرْبِهِ
وصدْعاً من المُلْكِ استغاثَ بكَ الوَرى … إليهِ فَما أرجأتَ في لَمِّ شَعْبِهِ
فغاضَ أَتِيٌّ كنتَ خائِضَ غمرِهِ … وأصْحَبَ خَطْبٌ كُنْتَ رائِضَ صَعْبِهِ
حُبِيتَ حياءً في سَماحٍ كأنَّهُ … رَبيعٌ يَزِينُ النَّوْرُ ناضِرَ عُشْبهِ
وأكثرْتَ حُسّادَ العُفاة ِ بنائلٍ … متى ما يُغِرْ يوماً على الحمدِ يسبهِ
مناقِبٌ يُنْسِيكَ القدِيمَ حدِيثُها … ويخجَلُ صدْرُ الدهرِ فيها بعَقُبِهِ
لئِنْ خَصَّ مِنْكَ الفَخْرُ ساداتِ فُرْسِهِ … لقدْ عمَّ مِنْكَ الجُودُ سائرَ عُربهِ
إذا ما هززتُ الدهرَ باسمكَ مادِحاً … تَثَنّى تثَنِّي ناضِرِ العُودُ رَطْبهِ
وإنَّ زماناً أنْتَ منْ حسَناتِهِ … حقيقٌ بأنْ يختالَ مِنْ فرطِ عُجْبِهِ
مضى زمنٌ قدْ كانَ بالبُعدِ مُذْنِباً … وحَسْبِي بهذا القُرْبِ عُذْراً لذَنْبِهِ
وما كنتُ بعدَ البيْنِ إلاّ كمُصْرِمٍ … تذَكَّرَ عهْدَ الرَّوْضِ أيامَ جَدبهِ
وعندِي على العِلاّتِ دَرُّ قرائِحٍ … حوى زُبَدَ الأشعارِ ماخِضُ وطْبهِ
ومِيدانُ فِكْرٍ لا يُحازُ لهُ مدى ً … ولا يبْلُغُ الإسهابُ غاية َ سَهْبهِ
يُصَرِّفُ فيهِ القولَ فارِسُ مَنطِقٍ … بصِيرٌ بارْخاءِ العنانِ وجذْبِهِ
وغِرّاءُ ميَّزْتُ الطوِيلأَ بخفْضِها … فطالَ على رفعِ الكلامِ ونَصبهِ
مِنَ الزُّهرِ لا يُلْفَينَ إلاّ كواكِباً … طَوالِعَ في شَرْقِ الزَّمانِ وغَرْبِهِ
حوالِيَ مِنْ حُرِّ الثناءِ ودُرِّهِ … كواسيَ من وَشْيِ القريضِ وعَصْبِهِ
خَطَبْتَ فلمْ يْحجُبْكَ عنها وَليُّها … إذا رُدَّ عنها خاطِبٌ غيرَ خِطبهِ
ذخَرْتُ لكَ المدْحَ الشَّرِيفَ وإنَّما … على قدْرِ فضْلِ الزَّنْدِ قيمَة ُ قلْبِهِ
فجُدْهُ بِصَوْنٍ عنْ سِواكَ وَحَسْبُهُ … مِنَ الصَّوْنِ أنْ تُغْرِي السَّماحَ بِنَهْبهِ