هَبُوا طيفَكُمْ أعْدى علَى النِّأْي مَسراهُ – ابن الخياط
هَبُوا طيفَكُمْ أعْدى علَى النِّأْي مَسراهُ … فَمنُ لِمَشُوقٍ أنْ يُهَوِّمَ جَفْناهُ
وهلْ يهتدِي طيفُ الخيالِ لناحِلٍ … إذا السُّقْمُ عنْ لحظِ العوائِدِ أخْفاهُ
غِنى ً في يَدِ الأحلامِ لا أستفيدهُ … ودَيْنٌ عَلى الأيَّامِ لا أتقاضاهُ
وَما كُلُّ مَسْلُوبِ الرُّقادِ مُعادُهُ … وَلا كُلُّ مَأْسُورِ الفُؤَادِ مُفاداهُ
يَرى الصَّبْرَ مَحْمودَ العَواقِبِ مَعْشَرٌ … وَما كُلُّ صَبْرٍ يَحْمَدُ المَرْءِ عُقْباهُ
ليَ اللهُ مِنْ قَلْبٍ يُجَنُّ جُنُونُهُ … مَتى لاحَ بَرْقٌ بِالقَرِينَيْنِ مَهْواهُ
أحِنُّ إذا هَبَّتْ صَباً مُطْمَئِنَّة ٌ … حَنِينَ رذايا الرَّكْبِ أوْشَك مَغْدَاهُ
خَوامِسَ حَلاّها عَنِ الوَرْدِ مَطْلَبٌ … بعيدٌ على البُزْلِ المصاعِيبِ مرْماهُ
هوى ً كلَّما عادَتْ مِنَ الشَّرْقِ نَفْحَة ٌ … أعادَ لِيَ الشَّوْقَ الَّذِي كانَ أبْداهُ
وما شَغَفِي بالرِّيحِ إلاّ لأنَّها … تَمُرُّ بِحَيٍّ دُونَ رامَة َ مَثْواهُ
أُحِبُّ ثَرى الوادِي الَّذِي بانَ أهْلُهُ … وأصْبوا إلى الرَّبْعِ الَّذِي مَحَّ مَغْناهُ
فَما وَجَد النِّضْوُ الطَّلِيحُ بِمَنْزِلٍ … رَأى وِرْدَهُ فِي ساحَتَيْهِ وَمَرْعاهُ
كَوَجْدِي بِأطْلالِ الدِّيارِ وَإنْ مَضى … علَى رسْمِها كَرُّ العُصُورِ فأبْلاهُ
دوارِسَ عفّاها النَّحُولُ كأَنَّما … وَجَدْنَ بِكُمْ بَعْدَ النَّوَى ما وَجَدْناهُ
ألا حبَّا عْدُ الكَثِيبِ وناعِمٌ … مِنَ العَيْشِ مجرورُ الذُّيولِ لبِسْناهُ
لَيَالِيَ عاطَتْنا الصَّبابَة ُ دَرَّها … فلمْ يبقَ منْها منهَلٌ ما وَردْناهُ
وللَّهِ وادٍ دُونَ مَيْثاءٍ حاجِرٍ … تَصِحُّ إذا اعْتَلَّ النَّسِيمُ خُزاماهُ
أُناشِدُ أرْواحَ العَشِيّاتِ كُلَّما … نَسَبْنَ إلى رَيّا الأحبَّة ِ ريّاهُ
أناشَتْ عَرارَ الرَّمْلِ أمْ صافَحَتْ ثَرى ً … أغَذَّ بهِ ذَاكَ الفَرِيقُ مَطاياهُ
خَلِيلَيَّ قَدْ هَبَّ اشْتِياقِي هُبُوبُها … حُسُوماً فهلْ مِنْ زَوْرَة ٍ تتلافاهُ
أعِينا عَلَى وَجْدي فليسَ بنافِعِ … إخاؤُكما خِلاًّ إذا لَمْ تُعِيناهُ
أما سُبَّة ٌ أنْ تَخْذُلا ذَا صَبَابة ٍ … دَعا وَجْدَهُ الشَّوْقُ القَدِيمْ فَلَبَّاهُ
وأكَمَدُ محزُونٍ وأوْجَعُ مُمْرَضٍ … مِنَ الوجدِ شاكٍ ليسَ تُسْمَعُ شَكْواهُ
شَرى لُبُّهُ خَيْلُ السَّقامِ وبَاعَهُ … وَأرْخَصَهُ سَوْمُ الغَرامِ وأغْلاهُ
وبالجِزْعِ حيٌّ كلَّما عنَّ ذِكْرُهُمْ … أماتَ الهوى منِّي فُؤاداً وأحْياهُ
تَمَنَّيْتُهُمْ بِالرَّقْمَتَيْنِ وَدارُهُمْ … بِوادِي الغَضَا يا بُعْدَ ما أتمَنَّاهُ
سَقَى الوابِلُ الرّبْعِيُّ ماحِلَ رَبْعِكُمْ … وَرَوَاحَهُ ما شاءَ رَوْحٌ وَغاداهُ
وجَرَّ عليهِ ذيلَهُ كُلُّ ماطِرٍ … إذا ما مَشَى فِي عَاطِلِ التُّرْبِ حَلاّهُ
وَما كنْتُ لَوْلا أنَّ دَمْعِي مِنْ دَمٍ … لأحمِلَ منّا للسحابِ بسُقياهُ
على أنَّ فخرَ المُلْكِ للأرضِ كافِلٌ … بِفَيْض نَدى ً لا يَبْلُغُ القَطْرُ شَرْوَاهُ
بصُرْتُ بأمّاتِ الحَيا فظننتُها … أنامِلَهُ إنَّ السَّحائِبَ أشْباهُ
أخُو الحزْمِ ما فاجاهُ خطبٌ فكادَهُ … وذُو العزمِ ما عانهُ أمرٌ فعنّاهُ
وَساعٍ إلى غاياتِ كُلِّ خَفِيَّة ٍ … مِنَ المَجْدِ ما جاراهُ خَلْقٌ فَباراهُ
بهِ رُدَّ نحوِي فائتُ الحَظِّ راغِماً … وأسْخَطَ فِيَّ الدَّهْرُ مَنْ كَانَ أرْضاهُ
تَحامَتْنِي الأيَّامُ عِنْدَ لِقائهِ … كأنِّي فِيها بأسُهُ وَهْيَ أعْداهُ
إليكَ رحلْتُ العِيسَ تَنْقُلُ وقرَها … ثناءً وللأعلى يجهَّزُ أعلاهُ
وَلا عُذْرَ لِي إنْ رابَنِي الدَّهْرُ بَعْدَما … تَوخَّتْكَ بِي يا خَيْرَ مَنْ تَتَوَخّاهُ
وَرَكْبٍ أماطُوا الهَمَّ عَنْهُمْ بهِمَّة ٍ … سَواءٌ بها أقْصى المَرامِ وأدْناهُ
قطعتُ بهمْ عرْضَ الفلاة ِ وطالَما … رمى مقتَلَ البيداء عزمِي فأصْماهُ
وَسَيْرٍ كإيماضِ البُرُوقِ ومَطْلَبٍ … لبِسْنا الدُّجى منْ دُونِهِ وخلَعْناهُ
إلى المَلِكِ الجَعْدِ الجزِيلِ عطاؤُهُ … إلى القَمَرِ السَّعْدِ الجَمِيلِ مُحَيّاهُ
إلى رَبْعِ عمّارِ بنِ عمارٍ الذي … تكفَّلَ أرْزاقَ العُفاة ِ بجدواهُ
ولَمّا بَلَغْناهُ بَلَغْنا بهِ المُنى … وشِيكاً وأعطَيْنا الغِنى منْ عطاياهُ
فتى ً لمْ نَمِلْ يوماً برُكْنِ سماحِهِ … على حَدَثانِ الدَّهرِ إلا هدمْناهُ
مِنَ القَوْمِ ياما أمْنَع الجارَ بَيْنَهُمْ … وَأحْلى مَذاقَ العَيْشِ فِيهِمْ وَأمْراهُ
وأصْفى حياة ً عندهُمْ وأرقَّها … وأبرَدَ ظِلاً في ذَراهُمْ وأنداهُ
أغَرُّ صبيحٌ عرضُهُ وجبينُهُ … كأنَّهُما أفْعالُهُ وَسَجاياهُ
لكَ اللهُ ما أغراكَ بالجودِ همَّة ً … سرُوراً بما تحبُو كأنَّكَ تُحباهُ
دعوْنا رَقُدَ الحظَّ باسمِكَ دعْوة ً … فَهَبَّ كأنَّا منْ عِقالٍ نَشَطْناهُ
وجُدْتَ فأثْنَيْنا بحمدِكَ إنَّهُ … ذمامٌ بحُكْمِ المَكْرُماتِ قضَيْناهُ
مَكارِمُ أدَّبْنَ الزَّمانَ فَقَدْ غَدا … بِها مُقْلِعاً عَمّا جَنَى وَتَجَنّاهُ
أيامَنْ أذالَ الدَّهْرُ حَمْدِي فَصانَهُ … وقلَّصَ ظِلَّ العَيْشِ غنِّي فأضفاهُِ
وعلَّمنِي كَيْفَ المطالِبُ جُودُهُ … وما كنْتُ أدرِي المطالِبُ لَولاهُ
لأنْتَ الَّذِي أغْنَيْتَنِي وَحَمَيْتَنِي … لَيالِيَ لا مالٌ لَدَيَّ وَلا جاهُ
أنلتَنِيَ القدرَ الذي كنتُ أرتجِي … وأمَّنَتنِي الخَطْبَ الَّذِي كُنْتُ أخْشاهُ
وأمضَيْتَ عضْباً منْ لسانِيَ بَعدما … عمرْتُ وحداهُ سواءُ وصَفحاهُ
وسرْبَلَتْنِي بالبِرِّ حتّى تركتْتنِي … بِحَيْثُ يَرانِي الدَّهْرُ كُفْؤاً وَإيّاهُ
فدُونَكَ ذا الحمدَ الذي جلَّ لفظُهُ … ودقَّ على الإفهامِ في الفضلِ معناهُ
فَلا طُلَّ إلاّ مِنْ حَبائِكَ رَوْضُهُ … ولا باتَ إلاّ في فِنائِكَ مَأْواهُ