إذا عزَّ نفسِي عنْ هواكَ قصُورُها – ابن الخياط

إذا عزَّ نفسِي عنْ هواكَ قصُورُها … فمِثلُ النَّوى يقضِي عليَّ يسيرُها

وهلْ غادرَ الهِجْرانُ إلاَّ حُشاشَة ً … لِنَفْسٍ بأدْنى لوعة ٍ يستطِيرُها

هوى ٍ ونوى ً يُستقَبَحُ الصَّبْرُ فِيهما … وحسْبُكَ مِنْ حالٍ يُذَمُّ صَبُورُها

وقد كنتُ أرجو أنْ تماسَكَ مُهجتِي … وأنَّكَ مِنْ جُوْرِ الفِراقِ مُجِيرُها

فما كان إلا غرة ً ما رجوتُهُ … إلا شرُّ ما أردى النُّفُوسَ غرُورُها

وإنّي لرهْنُ الشَوْقِ والشَّمْلُ جامِعٌ … فكيفَ إذا حثَّ الحُداة َ مِسيرُها

وما زِلتُ مِنْ أسْرِ القطيعَة ِ باكياً … فمَنْ لِي غداة َ البيْنِ أنِّي أسيرُها

وكنتُ أرى أنَّ الصُّدودَ مَنِيَّة ٌ … يكونُ معَ اللَّيلِ التَّمامِ حُضورُها

فلمَّا قضى التَّفريقُ بالبُعْدِ بينَنا … وجدْتُ اللَّيالي كانَ حُلواً مَريرُها

أعدُّ سرورِي أنْ أراكَ بغبطة ٍ … وأنفَسُ ما يُهدَى لنفْسٍ سُرورُها

كفى حزَناً أنِّي أبيتُ معذَّباً … بنارِ همومٍ ليسَ يخبُو سعيرها

وأنَّ عدُوِّي لا يُراعُ وأنَّنِي … أبيتُ سَخينَ العينِ وهوَ قريرُها

تعافُ النُّفوسُ المُرَّ مِنْ وردِ عيشِها … وتَكْرَهُ حتّى يَستمرَّ مريرُها

ولا والقَوافِي السائِراتِ إذا غَلَتْ … بحُكْمِ النَّدى عِندَ الكِرامِ مُهورُها

لئِنْ أنا لمْ يمنَعْ حِمايَ انتِصارُها … ويثْنِي أذى العادِينَ عنِّي نكيرها

فلاَ ظلَّ يوماً مُصحِباً لي أبيُّها … ولا باتَ ليلاً آنساً بي نَفُورُها

قطَعْتُ صدُورَ العُمْرِ لمْ أدْرِ لذَّة ً … وغَفْلَة َ عَيْشٍ كيف كانَ مُرورُها

ولمَّا رمانِي الدَّهرُ غُدتُ بدَولَة ٍ … جلا الحادِثاتِ الفادِحاتِ مُنيرُها

وكيفَ يخافَ الدَّهرَ ربُّ محامِدٍ … غدا كرمُ المنصورِ وهوَ نصيرُها

إلى عضُدِ المُلكِ امتطيتُ غرائِباً … محرَّمَة ٌ إلا علَيَّ ظُهُورُها

إلى مَلِكٍ تعنُو الملوكُ لبأسِهِ … ويقصُرُ يومَ الفخرِ عنهُ فخُورُها

أعمُّهُمُ غيثاً إذا بخِلَ الحيَا … وأطعنُهُمْ والخيلُ تدْمى نُحُورُها

إلى حيثُ تلقى الجُود هيْناً مرامُهُ … لِباغِيهِ والحاجاتِ سهْلاً عَسيرُها

لدى ملكٍ ما انفكَّ مِنْ مكرماتِهِ … موارِدُ يَصْفُو عذبُها ونَمِيرُها

يزيدُ علَى غوْلِ الطُّرُوقِ صفاؤُها … ويَنمِي على طُولِ الوُرودِ عَزِيرُها

أغَرُّ لَو أنَّ الشمسَ يحظَى جبينُها … ببهجتِهِ ما كانَ يُكْسَفُ نُورُها

غنيُّ العُلى مِن كُلِّ فضلٍ وسُؤدَدٍ … ولكنَّهُ مِنْ كلِّ مثْلٍ فَقيرُها

يعُدُّ المَنايا مستساغاً كريهُهَا … وبِيضَ العَطايا مُسْتَقَلاً كَثِيرُها

سقى الله أيامَ المُؤَيَّدِ ما سَقَتْ … حوافِلُ مُزْنٍ لا يُغِبُّ مِطِيرُها

فَما نقلتْ جرداءُ سابِحَة ٌ لهُ … شَبيهاً ولا وَجناءُ يقلقُ كُورُها

سقى هذه الدنيا منَ العدْلِ ريَّها … فأصبحَ لا يخشى الذَّواءَ نضيرُها

وهبَّ لهُ فيها نسيمُ غَضارَة ٍ … مِنَ العيشِ حتّى عادَ برْداً هجيرُها

عفُوٌّ فما عانَيْتُ زلَّة َ مُجرمٍ … لجى عفْوِهِ إلاّ صغيراً كبيرها

لهُ الرَّأيُ والبأسُ اللَّذانِ تكفَّلا … لأعدائهِ أوحى حِمامٍ يُبيرُها

سيُوفٌ منَ التدبيرَِ والفتكِ لمْ يزلْ … ومُغْمَدُها في كَفِّهِ وشَهِيرُها

رأى أرضَ صُورٍ نُهْبة ً لِمُغالِبٍ … يُنازِلُها يوماً ويوماً يُغِيرُها

تدَارَكها والنَّصْرُ في صدْرِ سيفهِ … أخُو عَزماتٍ لا يُخافُ فتُورُها

همامٌ إذا ما حَلَّ يوماً ببلدة ٍ … فخَنْدَقُها حدُّ الحُسامِ وسُورُها

وسُمرٌ مِنَ الخَطِّيِّ لا تَردُ الوغَى … فتُحْطَمَ إلاّ فِي الصُّدُورِ صُدُورُها

ارى أمراءَ المُلكِ للفَخْرِ غاية ً … وأنْتَ إذا عُدَّ الفَخارُ أمِيرُها

وما زِلْتَ تسمُو للعلاءِ بهمَّة ٍ … تَقِلُّ لكَ الدُّنيا بِها كيفَ صُورُها

وأقسمُ لو حاولْتَ قدرَكَ في العُلى … لما آثرَتْ عنكَ السَّماءَ بُدُورُها

وإنَّ بِلاداً أنتَ حائطُ ثَغرِها … بسيفِكَ قدْ عزَّت وعزَّ نظِيرُها

فسعداً لأملاكٍ عليكَ اعتمادُها … وفخراً لأيامٍ إليكَ مَصِيرُها

لقدْ عطَّرَ الدُّنْيا ثناءُكَ فانثَنى … بهِ ذا كسادٍ مِسكُها وعَبيرُها

فتاهتْ بذكراهُ البلادُ وأهلُها … وهبَّتْ بِريّاهُ الصَّبا ودَبُورُها

ملأْتَ بهِ الآفاقَ طِيباً متى دَعا … إلى نشرهِ الآمالَ خفَّ وَقُورُها

فجئتُكَ ذا نفْسٍ يُقيِّدُها الجَوى … وقدْ كادَ حُسْنُ الظَّنِّ فيكَ يُطِيرُها

رَميمٍ أزَجِّيها إليكَ لعَلَّهُ … يكُونُ بِنُعْمى راحَتَيْكَ نُشُورُها

ولسْتُ بشاكٍ مُدَّة َ الخطبِ بعدَها … وأوَّلُ إفضائِي إليكَ أخِيرُها