الباجة جي في نظر الخصوم – محمد مهدي الجواهري

كيفما صَّوْرتَها فلتكُنِ … أنا عن تصويرةِ الناسِ غني

لا أُبالي قادِحي مِن مادِحي … ليّ في الوجدان ما يُقنِعنُي

لستُ بالجامدِ : إني شاعرٌ … هزة الروح تُرى في بَدنَي

ديدني تصويرُ ما في خاطري … وأنا مُغرىً بهذا الديدنَ

أنا من أجل لِساني مُبتَلى … رغمَ احساسي – بعيش خَشِن

إنما يرفَعُ من مقطوعتي … كوُنها من خَصمِك المضطَغِن

من فتى عَرَّضَه موقفُه … منك بالأمس لشتّى المِحَن

كونُها من شاعر مُطَرَّح … وفكورٍ مُنصِفٍ مُمتَحَن

تاركاً عما قريبٍ أهلَهُ … مستجيراً بإمام اليَمَن

فاذا لم يهوني كنت امرأً … عاملاً في منجمٍ في عدَن

إنها أروَح لي من مَوطنٍ … أنا منه في عُضال مُزْمِن

أنا أستحسِن ما ليس أرى … وأرى ما ليسَ بالمستحسَن

يا أبا عدنانَ هذي فُرصةٌ … لفؤادٍ بالأذَى محتقِن

لا أُحابيك : ولكنّي فتىً … أطلُبُ الحقَّ ولو في كفَني

يشهدُ التأريخُ واللهُ معاً … أنَّك الذُخرُ لهذا الوطن

عارفٌ أدواءَه مطَّلعٌ … بالخفايا : قاطعٌ للفتَن

فيك : لولا أمةٌ جاهلةٌ … شَبَةٌ يدينك من ” موسولني “

بَطَلٌ إنْ مِحَنٌ جارتْ وما … أعوزَ الأبطالَ عند المحن

وصريحٌ لَسِنٌ في مأزِقٍ … ذي احتياجٍ لصريحٍ لَسِن

لُحتَ وضاحاً على حينَ مَشى … كلُّهم تحتَ قِناعٍ أدكن

بخُطىً جبّارةٍ واسعةٍ … وبعقلٍ راجحٍ متَّزن

يومَ كلُّ الناسِ في تمويهِهم … مِثلُ ضبٍ جاحرٍ في مَكمن

فرَغَ الدستُ الذي كنتَ به … ملءَ عينِ المرءِ ملءَ الأذُن

سَحَقَ الهوجَ المهازيلَ فتىً … لم يكن في سَحقِهم بالمَرِن

وعلى الحمقى ثقيلٌ وقعُه … مَن بِغِرٍّ أحمقٍ لا يعتنِي

وأراهم قوة لم يجدوا … مثلَها في هيكل أو وَثَن

لم يروا فيه – كما في غيرهِ … خِدْنَهم من ماجنٍ أو مُدمِن

لم يكن بالرخوِ في أخذِهُمُ … أخذَ جبارٍ ولا بالمثني

أتُراها أمِنَت جرثومةٌ … لم تكنْ من بطشه في مأمَن

نَقَم الحسّادُ إن لم يَلحقوا … شأو مَاشٍ خَببَاً في سَنَن

قائمٍ بالأمرِ معتزٍّ به … وعلى تدبيرِه مُؤتَمَن

ولو اسطاعَت مجالاً كفُّه … قادَهُم كلَّهُمُ في عَطَن

اشهدي ياربةَ الشعر ويا … دولةَ الحقِّ عليه أمنِّي

إن عُقبى ظَفَرٍ تَلحَقُني … من طريق الدسِّ لا تُعجبني

ودنيُّ من يُعادي خصمَه … مِن طريقٍ بالحزازات دَني

أشتَهي أنّي ولو في حُلُمٍ … أُمسكُ الأمرَ لأدنى زَمَن

ولقد يُلهبُ من عاطفتي … أنَّ هذا زمنٌ لم يئِن

أودِعوني دَفَّةَ الحكم ولو … ساعةً آتِ بما لم يَكُن

أُرِكُم أينَ يكونُ المرتشي … أُرِكُم كيفَ مصيرُ الأرعَن

أُرِكم قيمةَ ألفاظٍ بها … يَلبس الكذّابُ ثوبَ الوطني

آتياً في السرِّ ما لا يَستوي … والذي يأتي به في العَلن

أُركم أنْ ليسَ لي من قيمةٍ … غيرُ ما يوجِبُه لي مَعدِني

أُركم أنَّ الذي تخشَونه … ليسَ من يَبكي عليه لوفَنى

يا أبا عدنانَ : هذا واجب الأدَبِ … المحضِ الصريح المُتقَن

إنني ألغيتُ في تسجيله … كلَّ ما في خاطري من دَرَن

ولقد تَعلَمُ ما يَلحَقُني … من أذىً من بَثِّ هذا الشَجن

غيرَ أني واجدٌ في مِثلهِ … لذَّةَ العاشق والمفتَتن

ومن العارِ على الشاعر أنْ … يحتَمي في شعرِهِ بالإِحَن