وجد الجميمَ فعافه وتبقَّلا – مهيار الديلمي

وجد الجميمَ فعافه وتبقَّلا … وجرى له الوادي فصدَّ وأوشلا

ورأى الكثير مع المذلّة هادما … حسبَ الكريم وعرضه فتقلَّلا

يا ضلَّ تغرير الحريص بنفسه … وهوى المطامع ما أرقَّ وأخملا

يلحى على البخل الضنينُ بمالهِ … أفلا تكونُ بماء وجهك أبخلا

أكرمْ يديك عن السؤال فإنما … قدرُ الحياة أقلُّ من أن تسألا

وإذا نزعتَ إلى أرومة ِ مخصبٍ … زاكٍ فصنْ أغصانها أن تبذلا

ولقد أضمُّ إليَّ فضلَ قناعتي … وأبيتُ مشتملا بها متزمّلا

وأرى الغدوَّ على الخصاصة شارة ً … تصف الغنى فتخالني متموِّلا

وإذا امرؤ أفنى اللياليَ حسرة ً … وأمانياً أفنيتهنَّ توكُّلا

قعد المدجَّج وانيا عن نصرتي … فعلامَ أنتصر الألفَّ الأعزلا

لو أنَّ من ملك النوالَ حلا له … عزُّ القناعة ِ جاءني متنوِّلا

الناسُ عندك من يكن أغنى يدا … فيهم وإن لم تعطِ كان الأفضلا

والعارُ كلّ العارِ في أديانهم … أن يقتر الرجلُ الشريفُ ويُرملا

اصنع لهم ملقا كما يرضونه … وتنحَّ عنهم سامريّاً قلقلا

كم صاحبٍ والنارُ لي في قلبه … خالبتُ بارقَ وجهه المتهلّلا

وأريته أنّي وإيّاه يدٌ … مع أختها فيما أهمَّ وأعضلا

فإذا ظفرتَ من الزمانِ بماجدٍ … فأنخْ إليه وكنْ عليه معوِّلا

واشددْ يديك بودِّه واقنع به … سكناً كما سكن العلاءُ إلى العلا

نقل الرياسة َ كابرا عن كابرٍ … قرمٌ إذا عثر العجولُ تمهَّلا

وإذا الملوكُ تدارست أنسابها … ألفيته فيها المعتم المخولا

في ذروة الشرفِ التي لو حلَّها … سعدُ الكواكب لم يُرد متحوَّلا

بيتا عتيقاً في السماء بناؤه … قدما ومجدا كسرويّا أوّلا

جارى مساعيهم وجاء مبرِّزا … فرعٌ أبرَّ على الأصول وأفضلا

أقسمت بالمتمطِّراتِ شوائلا … يذرعن بالأعضادِ أدراجَ الفلا

ينصبن للإشخاص حولاً عوَّدا … مثل الذكيِّ يرى الخفيَّ المشكلا

عوج الرقاب كما اعترضتَ أهلَّة ً … صمّ الرءوس كما قرعتَ الجندلا

من كلِّ تاركة ٍ ولم تعطف له … بوّا وطارحة ٍ بمضيعة سلا

يحملن أشباهَ العصيّ تجنّبوا … لغوا الحديث مكبّرا ومهلّلا

لا يفرقون مكدِّرا صعدت به … لهم الدلاءُ إذا استقوا أم سلسلا

يرجون من أيّام مكة ساعة ً … إدراكها أو أن تفوت كلا ولا

لو لم تعوِّذْ نسلها أمُّ العلا … بأبي عليٍّ أوشكت أن تثكلا

وجهٌ كما وضح النهارُ وهمَّة ٌ … أمرتْ نجومَ الليل أن تتزيَّلا

وكفاية ٌ تقضى الملوكُ أمورهم … بنفاذها أخذا بها وتقبُّلا

وإذا الخطوبُ تقلَّبت أحوالها … وجدوه فيها القُلَّبيَّ الحوَّلا

يبرى لهم ويريشُ من آرائه … سهما إذا علقِ الرميّة َ أشكلا

وتنوبُ عن بيض الظُّبا في كفِّه … سودُ المضاربِ لا تكذِّبُ مقتلا

تمضى أذيّتها إذا هي جُرِّدتْ … في حيث لا تجدُ السيوفُ توغُّلا

من كل خاوى الصدرِ أجوفَ لو رمى … بلعابه الصخرَ الأصمَّ لزلزلا

يتناول الغرضَ البعيدَ ولم يرمْ … وطنا ولم يقطع لسيرٍ منزلا

يمضي وريقتهُ المدادُ وينثى … وقد استعاض مكانها ماءَ الطُّلى

سمَّوه بالعاداتِ في أمثاله … قلماً ولولا الظلمُ سمِّيَ منصلا

تعبَ الرجالُ مراهنين وراءه … فتناكصوا لا يلحقون الشمألا

يفديك معتلُّ المكارمِ جوده … قولٌ إذا ما أنت قلتَ لتفعلا

ومزنَّد الكفّين غاية ُ رأيه … عجزٌ وغاية وعده أن يمطُلا

أنا من أسرَّ لك المودّة َ قلبه … وطوى لذاك لسانه متجمّلا

ورأى بقربك ما يرى بحبيبه … صبُّ الفؤاد شفاؤه أن يوصلا

وإذا ذكرتَ له تحفّزَ قلبه … طربا إليك ومرَّ نحوك مجفلا

ورأى جنابك للفضائلِ روضة ً … أنفا ودارك للمكارم موثلا

وصوارف الحظّ القصير تعوقه … من طالبٍ إعجالَ أمرٍ أجِّلا

وأظنّ إصرارَ الزمان قد ارعوى … شيئا ومعرضَ وجهه قد أقبلا

وأظنّ أنّ محاسنا سأرودها … نظرا وتجريها لديّ تفضُّلا

وأبيت أعلق من يديك مودّة ً … تأبى مرائرُ فتلها أن تسحلا

وتسير فيك مع الرياح شواردٌ … لا يأتلين إقامة ً وتنقُّلا

يحملن عرضك كلّما أدّينه … في منزلٍ عطَّرن منه المنزلا

موسومة ً بعلاك فوق جباههم … ما ضاع شعرُ الخاملين وأُغفلا

ومصونة ٍ منهنّ قد أعجلتُها … لك لم تكن لولا هواك لتبذلا

قدّمتُ بين يديّ عندك جاهها … قبل اللقاء ممهَّدا ومؤثَّلا

ومنحتُ جيدَ المهرجان قلادة ً … منها فحلَّتهُ وكان معطَّلا

فاستجله فيها وقلْ من بعده … ما كان أحسنها عليه وأجملا

وتملَّه ذكرا لقومك باقيا … يصفُ العلا علما لهم متمثّلا

من غبَّر السِّيرِ التي سلفتْ لكم … والمجدِ آخرهم يريك الأوّلا

واصحب مدى الأيام ما عدَّتْ مدى ً … واسلم إذا أفنت عزيزا مقبلا