نار القرى – إيليا أبو ماضي
روحي التي بالأمس كانت ترتع … في الغاب مثل الظبية القمراء
تقتات بالثمر الجنّي فتشبع … ويبلّ غلّتها رشاش الماء
نظرت إليك فأصبحت لا تقنع … بالماء والأفياء في الغبراء
تصغي وتنصت ، والحمامة تسجع … إصغاؤها لك ليس للورقاء
ناديتها ، فلها إليك تطلّع … هذا التطلع كان أصل شقائي
جنّحتي كيما أطير فلم أطر … هيهات إنك قد طويت سمائي
قد كان يسبيني الجمال الرائع … حتى لمحتك فهو لا يسيبني
عصفت بصدري لليقين زوابع … ثلّث عروش توهمي وظنوني
فأنا على ما ضاع مني جازع … إن الذي قد ضاع جدّ ثمين
لولاك ما مات الخيال اليافع … أفتعجبين إذا كرهت يقيني
هذا صنيعك بي ، فما أنا صانع؟ … قد شاء بحرك أن تضلّ سفيني
جرّدت هذا الطين من أوهامه … وكبرت عن قارورة من طين
كيف الوصول إليك يا نار القرى، … أنا في الحضيض وأنت في الجوزاء
لي ألف باصرة تحنّ كما ترى … لكنّ دونك ألف ألف غطاء
لو من ثرى ، مزّقتها بيد الثرى، … لكنها سُجُفٌ من الأضواء
ساءلت قلبي إذ رأى فتحّيرا … ماذا شربت فمدت؟ قال: دمائي
يا ليته قد ظلّ أعمى كالورى … فلقد نعمت، وكان في ظلماء
قد شوشت كفّ النهار سكينتي … يا هذه ، ردّي إلّي مسائي
أمسيت حين لمستني بيديك … لي ألف باصرة وألف جناح
ولمحت نار الوحي في عينيك، … والوحي كان سلافة الأرواح
فتشرت أجنحي وحمت عليك … متوهما أني وجدت صباحي
قذ كان حتفي في الدنو إليك … حتف الفراشة في فم المصباح
فسقطت مرتعشا على قدميك … ألنار مهدي والدخان وشاحي
يا ليت نورك حين أحرقني انطوى … فعلى ضيائك قد لمست جراحي