ابنة الفجر – إيليا أبو ماضي

أنا إن أغمض الحِمامُ جفوني … ودوى صوت مصرعي في المدينة

و تمشي في الأرض دارا فدارا … فسمعت دويّه ورنينه

لا تصيحي واحسرتاه لئلّا … يدرك السّامعون ما تضمرينه

و إذا زرتني و أبصرت وجهي … قد محا الموت شكّه و يقينه

و رأيت الصّحاب جاثين حولي … يندبون الفتى الذي تعرفينه

و تعال العويل حولك ممّن … مارسوه و أصبحوا يحسنونه

لا تشقي على ثوبك حزنا … لا و لا تذرفي الدموع السخينه

غالبي اليأس و أجلسي عد نعشي … بسكون ، إنّي أحبّ السّكينه

إنّ للصمت في المآتم معنى … تتعزّى به النّفوس الحزينة

و لقول العذّال عنك (بخيل ) … هو خير من قولهم ( مسكينة )

و إذا خفت أن يثور بك الوجد … فتبدو أسرارنا المكنونه

فارجعي و اسكبي دموعك سرّا … و امسحي باليدين ما تسكبينه

يا ابنة الفجر من أحبّك ميّت … و لأنت بمثل هذا مهينه

زايل النور مقلتيه و غابت … تحت أجفانه المعني المبينه

فأصيخي هل تسمعين خفوقا … كنت قبلا في صدره تسمعينه ؟

وانظري ثمّ فكّري كيف أمسى … ليس يدري عدوّه من و خدينه

ساكتا لا يقول شيئا و لا يس … مع شيئا و ليس يبصر دونه

لا يبالي أأودعوه الثريا … أم رموه في حمأة مسنونه

و إذا الحارسان ناما عياء … و رأيت أصحابه يتركونه

فتعالى و قبّلي شفتيه … و يديه و شعره و جبينه

قبل أن يسدل الحجاب عليه … و يوارى عنك فلا تبصرينه

واحذري أن نراك عين رقيب … و لئن كان رجل ما تحذرينه

فاذا ما أمنت لا تتركيه … قبلما يفتح الصّباح جفونه

و إذا السّاعة الرّهيبة حانت … و أريت حرّاسه يحملونه

و سمعت النّاقوس يقرع حزنا … فيردّ الوادي عليه أنينه

زوّدي الرّاحل الذي مات وجدا … بالذي زوّد الغريق السفينة

نظرة تعلم السماوات منها … أنّه مات عن فتاة أمينه

طوت الأرض من طوى الأرض حيّا … و علاه من كان بالأمس دونه

و اختفى في التراب وجه صبيح … و فؤاد حرّ و نفس مصونه

و إذا ما وقفت عند السّواقي … و ذكرت وقوفه و سكونه

حيث أقسمت أن تدومي على العه … د و آلى بأنّه لن يخونه

حيث علّمته القريض فأمسى … يتغنّى كي تسمعي تلحينه

فاذكريه مع البروق السّواري … واندبيه مع الغيوث الهتونه

و إذا ما مشيت في الروض يوما … ووطأت سهوله و حزونه

و ذكرت مواقف الوجد فيه … عندما كنت بالهوى تغرينه

حيث علّمته الفتون فأضحى … يحسب الأرض كلّها مفتونه

حيث وسّدته يمينك حتّى … كاد ينسى شماله و يمينه

حيث كنت و كان يسقيك طورا … من هواه و تارة تسقينه

حتّى حاك الربيع للروض ثوبا … كان أحلى لديه لو ترتدينه

فالثمي كلّ زهرة فيه إنّي … كنت أهوى زهوره و غصونه

ثمّ قولي للطير : مات حبيبي … فلماذا يا طير لا تبكينه

و إذا ما جلست وحدك في اللّي … ل و هاجت بك الشّجون الدّفينه

و رأيت الغيوم تركض نحو الغر … ب ركضا كأنّها مجنونه

و لحظت من الكواكب صدا … و نفارا و في النسيم خشونه

فغضبت على اللّيالي البواقي … و حننت إلى اللّيالي الثّمينه

فاهجري المخدع الجميل وزوري … ذلك القبر ثمّ حيّي قطينه

وانثري الورد حوله و عليه … واغرسي عند قلبه ياسمينه