مَا مَوْقِفِي فِي مَصْرِفٍ لِلمَالِ – خليل مطران

مَا مَوْقِفِي فِي مَصْرِفٍ لِلمَالِ … أَنَا شَاعِر مَا لِلحِسابِ وَما لِي

لا شَيءَ لِي فِيهِ وكلّ كنوزِهِ … مِنْ حَيْثُ تَنْفَعُ مِصْرَ أَحْسبُهَا لِي

إِنْ أَيْسَرَتْ مِصْر وَفِيهِ ضَمَانهَا … إِنِّي إِذَنْ فَرِحٌ بِرقَّةِ حَالِي

تُنْعَى عَلَى الشُّعَراءِ أَوْهَامٌ لَهَا … خِدَعُ البَهارِجِ فِي طِلاَءِ مُحالِ

وضُروبُ إِيقَاعِ مُرْجعَةٌ عَلَى … وَتَرٍ مِنَ الضَّربِ المُبرِّحِ بَالِ

تحلُو بِأُلْفَتِنَا لَهَا لَكِنهَا … سَرْعَانَ مَا تُفْضِي إِلى الإِمْلاَلِ

وتَظلُّ عَنْ مَجْرَى الحَياةِ بِمَعْزِلٍ … وَتُنَافِسُ العُمْرَانَ بِالأَطْلاَلِ

إِنْ كَان بعْضُ الشَّعْرِ هَذَا شَأْنهُ … ما الشِّعْرُ كلّ الشِّعرِ محْضُ خَيالِ

وَتَعَلُّلٌ بِمُدَامَةٍ وتَعَذلٌ … لِمَلاَمَةٍ وَتَغَزُّلٌ بِغَزَالِ

أَلشِّعْرُ يَنْتَجِعُ الجمَالَ وَيَنْتَحِي … فِي كُلِّ شَعْبٍ مَصْدَراً لِجَمَالِ

بِالحُسْنِ وَالمَعْنَى لَهُ إِلمَامَة … تَجْلُو الحَقَائِقَ فِي أَحبِّ صِقَالِ

هُوَ مَوْرِدٌ يُروِي النَّهَى بِنَمِيرِهِ … وَيُعِيرُهُ فِي العَيْنِ لَمْعُ الآلِ

هُوَ مُثْقِبُ العَزَمَاتِ فِي طَلبِ العُلَى … ومُطِيلُ مَا تُدْنِي مِنْ الآجالِ

لاَ شَيءَ يُلْهِمُهْ وَيَقْتَدِحُ اللَّظَى … مِنْ زَنْدِهِ كَعَظَائِمِ الأْفَعَالِ

يَا بَنْكَ مِصْرَ وَلِيد نَهْضَةِ أُمَّةٍ … لَمَّا بَنَتْكَ بَنَتْ لِلاِسْتِقْلاَلِ

يِتَمَكُّنِ الأرْكَانِ وَالأسُسِ الَّتِي … حَملَتْكَ زُكِّيَ رَأْيُ مِصْر العالِي

رَأْيٌ بدا لأُولِي البَصائِرِ سِرهُ … فِي ضَوْءِ مَا أَبْدَى وزيرُ المالِ

أَلعَبْقَرِيُّ المُسْتَشَف نُبُوغَهُ … فِي كُلِّ تَدْبِيرٍ لَهُ وَمَقَالِ

هُوَ أَوَّلُ النُّخَبِ الْتَيِ أَبْرَزُتَهَا … وَلِذَلِكَ الهادِي النَّجِيبِ تُوَالِي

أَطْلَعْتَهُ بَدْراً وَكَمْ فِي إِثْرِهِ … يَنْمُو هِلاَلٌ لاَحِقاً بِهِلاَلِ

وَفَّيْتَ عَهْداً بِالأُولَى أَعدَدْتَهُمْ … لِلسَّبْقِ مِنْ فُرْسَانِ كُلِّ مَجَالِ

ومُنًى ضرُوباً لِلبِلاَدِ قَضيْتَهَا … جعلتْ مكَانَك فَوْقَ كلُّ منَالِ

هِي أُمَّة جَادَتْ علَيْكَ بِوَفْرِهَا … وَتَعهَّدَتْك بِنَصْرِهَا المُتَوالِي

وتَجشَّمَت مِنْ دُونِ حرِّيَاتِهَا … ما جُشِّمتْ بِتَحوُّلِ الأحوالِ

فَمَكَثْتَ فِي أَعْقَابِ مَا اضْطَلعتْ بِهِ … مِنْ جُهْدِ أَيَّامٍ وسُهدِ ليالِ

أَعْلَى ذَخَائِرهَا وأَنْفَسُ ما جَنتْ … مِنْ كلِّ مَبْذولٍ عزِيزٌ غَالِ

فِي خَمْسَ عَشْرَ مِنَ السِّنِينِ أَتَيْتَ مَا … لَمْ يَأْت غَيْرُكَ مِنْ سِنِينَ طِوالِ

وشَبَبْتَ مُكْتَمِلَ الرجُولَةِ حَيْثُمَا … دَرَجَ اللِّدَاتُ مدارِجَ الأَطْفَالِ

مُتَغَفِّراً مُتَدَرِّعاً إِنْ صَرَّحَت … حَربٌ وقَالَ الحانِقونَ نَزَالِ

حَرْبٌ وَمَا أَكْفَى المُسَمَّى بِاسْمِهَا … لِيصُول فِيهَا صَوْلَةَ الرِّئْبالِ

لِلنَّصْرِ فِيهَا طَلعَةٌ مِنْ طَلْعتٍ … شَهِدَتْ عَوَاقِبُهَا بِصِدْقِ الفَالِ

أَمِنَ الغُلوِّ وَذَاكَ فَضْلُ جِهَادِهِ … لِبِلاَدِهِ أَنْ عُدَّ فِي الأبْطَالِ

يَا قَوْمُ حَيوا بَنْكَ مِصْرَ فَإِنَّهُ … حِصْنُ النَّجَاةِ وَمَعْقِدُ الآمَالِ

فِي مَجْدٍ مَاضِينَا عَلَيْنَا حُجَّةٌ … إِنَّ لَمْ نُعَزِّزهُ بِمجْدِ الحالِ

هُوَ كَائِنٌ مِن رُوحِ مِصْرَ وَأَمْرهِا … سَامِي الحَقِيقَةِ بَارِعُ التِّمْثَالَ

لِلخِصْبِ والإِقبَالِ أَعْلَى دَوْلَةً … فِيها وَعفَّى دوْلَةً الإِمْحالِ

يَبْغِي سَلاَمَتَهَا وَرِفْعة شَأْنِها … فِي كُلِّ مُقْتَحَمٍ وَكُلِّ مَصالِ

أَغْزى سَماءَ الشَّرْقِ بِيضُ نُسُورِهَا … يخطُرْنَ فِي الغُدُوَاتِ والآصالِ

وَعَلَى المُتُونِ أَهِلَّةٌ خَفَّاقَةٌ … لِتَعاوُن فِي البِرِّ لاَ لِقِتَالِ

أَجْرَى سَفَائِنِهَا فَهُنَّ مَوَاخِرٌ … بِالرَّكْبِ وَالأرْزَاقِ غَيْرُ أَوَالِي

أَلبرِّ يَأْنَسُ لِلُّقَاءِ وَيَحْتَفِي … بِالعَوْدِ بَحْرٌ لَمْ يَكنْ بِالسَّالِي

مِنْ كُلِّ مَا تُرْجَى مَنَافِعُهُ حَبَا … مِصْراً بِمَأْثُورٍ طَرِيفٍ مِثَالِ

طُفْ بِالمَحَلَّةِ تُلْفِ كَيْفَ تَبدِلَتْ … بِالبالِيَاتِ حدِيثَةُ الأَنْوَالِ

وَتُقِرُّ عَيْنَكَ مُتْعةٌ أَهْلِيَّةٌ … أَغْنَتْ عَنِ النَّسَّاجِ وَالغَزَّالِ

يَتَهَلَّلُ الشُّرَكَاءُ فِي أَرْبَاحِهَا … لِتَهَلُّلِ الفَرِحِينَ بِالأَجْعَالِ

تِلْكَ المَعَاهِدُ يَسَّرَتْ مَا يَسَّرَتْ … مِنْ كُلِّ كَسْبٍ فِي الكِفَاحِ حَلاَلِ

تُؤتِي الغِنَى وَيَعِيشُ فِي أَكْنَافِهَا … آلاَفُ آلافٍ مِنَ العُمَّالِ

وَتخَرِّجُ المُتَادِّبِينَ لِيُحْسِنوا … فِي العَيْشِ مَا يُجْدِي مِنَ الأشْغَالِ

اللهُ يعْلَمُ كَمْ وَقَتْ أَوْطَانَكُمْ … شَرَّ الفَرَاغِ وَفِتْنَةَ البُهَّالِ

فَاليَوْمُ عِيدٌ لِلكِنَانَةِ فَخْرُهُ … أَنْ لَبْسَ مَرْدُوداً إِلى أَمْثَالِ

لاَ تَلْتَقِي مِنْهَا اللَّحَاظ بِمَوْقِعٍ … إِلاَّ وَفِيهِ لِلسُّرُورِ مَجَالِي

هُوَ عِيدُ مِصرَ وَلاَ انْفِرَادَ لَهَا بِهِ … كَلاَّ وَلاَ لِلعَصْرِ دُونَ التَّالِي

هُوَ عِيدُ رَابِطَةِ الشُّعُوبِ جَمِيعِهَا … فِي الشَّرْقِ بَعْدَ تَفَكُّكِ الأَوْصَالِ

هُوَ عِيدُ حَاضِرِهَا وَمُقْبِلِهَا عَلَى … مُتَعَاقَبِ الأَحْقَابِ وَالأَجْيَالِ

أَعْظِمْ بِهذا الحَفْلِ فِيهِ وَكُلُّهُ … مِنْ صَفْوَةِ الوُزَرَاءِ وَالأقْيَالِ

وَمِنَ السَّرَاةِ تَفَاوَتَتْ أَقْدَارُهُمْ … وَتَوَافَقُوا فِي البِشْر والإِقبالِ

شَرفُ الرَّئِيسِ وَقَدْ تَوَسَّطَ عِقْدَهُمْ … شَرَفْ الفَرِيدَةِ وَالجُمَانِ غَوالِي

مَا زَالَ صَدْراً فِي الصُّدُورِ وَلَمْ يَكُنْ … مِنْ مَهْدِهِ إِلاَّ حَلِيفَ مَعَالِي

لَطْفٌ وَآدابٌ وَصِدْقُ فِرَاسَةٍ … وَوَفَاءُ مَوْلَى فِي مَهَابَةِ وَالِي

حَقٌ لَهُ ولِصاحِبَيْهِ مَا لَهُمْ … فِي قَوْمِهِمْ مِنْ صَادِقِ الإِجلاَلِ

هلْ رَاعَكُمْ مِنْ طَلْعَتٍ وَبَيانِهِ … نُطْقُ السكُوتِ وَحُسْنُ مَا هُوَ نَالِي

وَتَنَاوُبٌ فِي عَبْقَريٍ وَاحِدٍ … بَيْنَ الفَتَى الفَعَّالِ وَالقَوَّالِ

إِنِّي لأَفْزَعُ حِينَ أَبْغِي وَصْفَهُ … مِنْ بَعْدِ مَا أَبْغِيهِ وَهْوَ حِيَالِي

جَبَلٌ تَضِلُّ العَيْنُ فِي عَلْيَائِهِ … وَالوَحْيُ مَهْبِطُهُ رُؤُوسُ جِبَالِ

بَحْرٌ وَلَيْسَ يَضِيرُهُ مُسْتَنْكِرٌ … أَنْ ينْظِمَ الشِّرِكَاتِ نَظْمَ لآَلِي

لِلهِ عُزْلَتُهُ وَمِنْ شُرُفَاتِهَا … يَرْمِي الجِهَاتِ بِلَحْظِهِ الجوَّالِ

يَرْتَادُ حاجَاتِ الحِمَى لِقَضَائِهَا … وَيَسُدُّ خَلاَّت بِغَيْرِ سُؤَالِ

مَاذَا يُدِيرُ وَمَايُدَبِّرُ وَحْدَهُ … مِمَّا بِهِ يَعْيَى عِدَادَ رِجَالِ

تَرْنو إِلَيْهِ لَمَا تَرَى إِلاَّ نَدًى … حَيْثُ الهُمُومُ تَهُم بِالإِشْعَالِ

كُثْرٌ مَآثِرُهُ أُرَدَّدُ ذِكْرَهَا … وَفُؤَادُ سُلْطَانٍ يَمُرُّ بِبَالِي

جَمَعَ التَّوَافِي فَرْقَدَيْنِ هُمَا وَقَدْ … عَزَّ التَّوَافِي مَضْرِبُ الأَمْثَالِ

يَقِظَيْنِ مُؤْتَمَنَيْنِ عَنْ ثِقَةٍ عَلَى … مَا فِي ذِمَامِهِمَا مِنَ الأمْوَالِ

وَمُحَولَيْنِ لِنَفْع مِصْرَ وَأَهلِهَا … مَا لَمْ يَكُنْ إِلاَّ لِنَفْعِ جَوَالِي

فَإِذَا لِلاِسْتِغْلاَلِ مَعْنًى مُخْلِفٌ … مَا كَانَ مِنْ مَعْنًى لِلاِسْتِعْلاَلِ

رَكِبَاً إِلى أَسْمَى المَآرِبِ صَعْبَةً … تَفْتَكُّ أَحْرَاراً مِنَ الأَغْلاَلِ

أَفَيَمْكُثَ السادَاتْ فِي أَوْطَانِهِم … وَكَأَنَّهُمْ للاجْنَبِينَ مَوَالِي

لِفُؤَادِ سُلْطَانٍ بِطَارِفِ مَجْدِهِ … إِنْ لَمْ يَكُنْ بِالعَمِّ أَوْ بِالخَالِ

يَا حَبَّذَا الشَّرَفُ الرَّفِيعُ يُصِيبُهُ … غَيْرُ المُدِلِّ بِهِ وَلاَ المُخْتَالِ

هَذَا فَتَى الفِتْيَانِ غَيْرُ مُدَافَعٍ … وَالقُدْوَةُ المُثْلَى بِغَيْرِ جِدالِ

هَذَا هُوَ الرُّكْنُ الَّذِي أَحْمَالُهُ … تُوهِي وَلاَ يَشْكُو مِنَ الأَحْمَالِ

أثْنِي عَلَيْهِ بِمَا بِهِ وَأُحِبُّهُ … لِلفَضْلِ فِيهِ وَلَيْسَ لِلإِفْضَالِ

إِنْ العَرِينَ وَهَؤُلاَءِ أُسُودُهُ … لَمُؤَمَّنٍ بِتَرْعْرُعِ الأَشْبَالِ

حَتَّى يُعَيِّدَ كُلُّ جِيلٍ عِيدهُ … بِتَسَلْسُلِ الأَدْهَارِ لاَ الأَحْوَالِ