صَدَقَ النَّعِيُّ وَرَدَّدَ الهَرَمَانِ – خليل مطران

صَدَقَ النَّعِيُّ وَرَدَّدَ الهَرَمَانِ … اللهُ أَكْبرُ كُلُّ حَيٍّ فَانِ

مَا يَعْظِمِ الإِنْسَانُ لا تَعْصِمْهُ مِنْ … هَذَا المَصِيرِ عَظَائِمُ الإِنْسَانِ

أَمُشَيِّدَ الدُّسْتُورِ حَسْبُ المَجْدِ مَا … أَدْرَكْتَ مِنْ جَاهٍ وَرِفْعَةٍ شَانِ

وَلأَنْتَ أَبْقَى مَنْ أَلَمَّ بِهِ الرَّدَى … إِنْ صَحَّ أَنَّ الذِّكْرَ عُمْرٌ ثَانِ

لَكِنَّ مِصْرَ وَقَدْ بَعُدَتْ مَرُوعَةٌ … تَزْدَادُ أَشْجَاناً عَلَى أَشْجَانِ

مَنْ مُبْلغُ النَّائِي أَلُوكَ حَزِينَةٍ … لِنَوَاهُ وَالأَخَوَانِ يَنْتَحِرَانِ

أَلغِيلُ تَطْرُقُهُ الذِّئَابُ عَشِيَّةً … وَبِلُهْنَةٍ يَتَشَاغَلُ اللَّيْثَانِ

أَتُلِمُّ رُوحُكَ بِالحِمَى إِلمَامَةً … فَيَرَى الهُدَى فِي نُورِهَا الخَصْمَانِ

سِنَةٌ عَلَى عَيْنَيْكَ رَانَتْ دُونَهُ … وَإِلَيْهِ لَفْتَةُ قَلْبِكَ اليَقْظَانِ

فَقَدَتْ بِثَرْوَتَ مِصْرُ ثَرْوَةَ حِكْمَةٍ … كَانَتْ ذَخِيرَةَ قُوَّةٍ وَصِيَانِ

مَأْمُولَةً فِي كَشْفِ كُلِّ مُلِمَّةٍ … أَلْقَتْ عَلَى صَدْرِ الحِمَى بِجِرَانِ

رَجُلٌ إِذَا وَازَنْتَ فِي مِيزَانه … مَنْ لا يُرَاجَحُ عَادَ بِالرَّجْحَانِ

طَلْقٌ مُحَيَّاهُ سَرِيٌّ طَبْعُهُ … عَذْبُ الشَّمَائِلِ نَاصِعُ التِّبْيَانِ

سَمْحُ السَّرِيرَةِ هَمُّهُ ألا يَرَى … مِنْ ثُلْمَةٍ فِي وَحْدَةِ الأَوْطَانِ

كِلَفٌ بِنَفْعِ بِلاده مُتَغَمِّدٌ … ذَنْبَ المُسِيءِ إِلَيْهِ بِالغُفْرَانِ

لَوْلا هَوَاهُ لِقَوْمه لَمْ تَتَّقِدْ … فِيهِ لَظَى حِقْدٍ وَلا شَنَآنِ

تَبْلُوهُ عَنْ كَثَبٍ فَتُلْفِي النُّبْلَ فِي … إِسْرَارِه وَالنُّبْلُ فِي الإِعْلانِ

وَتَرَى زَعِيماً تَتَّقِيهِ مَهَابَةً … وَتَرَى أَخاً مِنْ أَوْدَعِ الإِخْوَانِ

ثِقَةُ الثِّقَاتِ وَغَوْثُ كُلِّ مُهَذَّبٍ … أَوْدَى بِهِ رَيْبٌ مِنَ الحِدْثَانِ

مَنْ بَعْدَهُ يُشْكِي إِذَا العَافِي شَكَا … بُرَحَاءهُ وَيَفَكُّ قَيْدَ العَانِي

إِنْ أَكْبَرَتْ فِيهِ المُرُوءةُ خَطْبُهَا … فَالرُّزْءُ العَيْنِ فِي إِنْسَانِ

كَانَتْ بِحَاجَاتِ الكِرَامِ بَصِيرَةً … وَاليَوْمَ تُخْطِيءُ مَوْقِعَ الإِحْسَانِ

وَلِيَ الإِدَارَةَ وَالقَضَاءَ فَلَمْ يَكُنْ … بِمُفَرِّطٍ أَوْ مُفْرِطٍ فِي شَانِ

لَمْ يُرْضهِ التَّقْوِيضُ مُدَّةَ حُكْمِهِ … فَبَنَى وَخَيْرُ القَائِمِينَ أَلبَانِي

رَاضَ الصِّعَابَ العَاتِيَاتِ مُذَلِّلاً … عَقَبَاتِهَا بِالدَّأْبِ وَالإِحْسَانِ

أَعَرَفْتَ إِذْ دَعَتِ البِلادُ إِلَى الفِدَى … إِقْدَامَ ذَاكَ المُسْعِدِ المِعْوَانِ

أَيَّامَ يَبْذُلُ فِي الطَّلِيعَة نَفْسَهُ … لِنَجَاتِهَا مِنْ ذِلَّةٍ وَهَوَانِ

فِي الوَقْفَةِ الكُبْرَى لَهُ الأَثَرُ الَّذِي … يَبْقَى عَلَى مُتَعَاقِبِ الأَزْمَانِ

أَلسَّيْفُ يَلْمَعُ بِالوَعِيدِ حِيَالَهُ … فِي كُلِّ أُفْقٍ أَنْكَرَ اللَّمَعَانِ

مُتَبَسِّماً وَمِنَ النَّذِيرِ تَبَسُّمٌ … يَبْدُو قُبَيْلَ تَوَقُّدِ النِّيرَانِ

لَكِنَّ مَنْ يَرْعَى الحَقِيقَةَ رَعْيَهُ … يَأْبَى بَقَاءٌ فِي مَقَامِ تَفَانِ

أَمَلٌ تَعَرَّضَتِ المَنَايَا دُونَهُ … فَمَضَى وَمَا يَثْنِيهِ عَنْهُ ثَانِ

لَوْ أَنَّ مَوْتاً جَازَ قَبْلَ أَوَانِه … أَيَكُونُ غَيْرَ المَوْتِ بَعْدَ أَوَانِ

أَلحِلْمُ مَا تَجْلُو صَبَاحَةٌ وَجْههِ … وَالعَزْمُ مَا تَذْكُو بِهِ العَيْنَانِ

وَوَرَاءَ مَا تُبْدِي الجِبَاهُ سَرَائِرٌ … وَوَرَاءَ مَا تُخْفِي القُلُوبُ مَعَانِ

أَأَتَتْكَ أَنْبَاءُ المُنَابَذَةِ الَّتِي … رِيعَ الثِّقَاتُ لَهَا مِنِ اطْمِئْنَانِ

مَا زَالَ بِالَّلأُوَاءِ حَتَّى ذَادَهَا … وَقَضَى عَلَى التَّشْتِيتِ وَالخِذْلانِ

وَوَفَى لِمِصْرَ بِرَدِّةِ مِنْ حَقِّهَا … مَا كَادَ يَسْتَعْصِي عَلَى الإِمْكَانِ

لَمْ يَنْسَ قَطُّ الشَّعْبِ فِي سُلْطَانِهَا … فَأَقَرَّهُ مُسْتَكْمِلَ السُّلْطَانِ

وَأَضَافَ بِالدُّسْتُورِ أَرْوَعَ دُرَّةٍ … يُزْهَى بِهَا إِكْلِيلُهَا النُّورَانِي

أَشَهَدْتَهُ أَيَّامَ أُغْمِدَتِ الظُّبَى … وَتَلاقَتِ الآرَاءُ فِي المَيْدَانِ

فَرَأَيْتَ فِي تَغْرِيبِهِ عَنْ قَوْمِهِ … آيَاتِ ذَاكَ الحُبَّ وَالإِيمَانِ

يَجْلُو أَدِلَّتَهُمْ بِأَيِّ يَرَاعَةٍ … وَيقِيمُ حُجَّتَهُمْ بِأَيِّ لِسَانِ

فِي الحِلِّ وَالتَّرْحَالِ يَنْضَحُ عَنْهُمُ … بِوُضُوحِ بُرْهَانٍ وَسِحْرِ بَيَانِ

فَيُحَاوِرُ القَهَّارُ غَيْرَ مُمَاذِقٍ … وَيُدَاوِرُ الجَبَّارَ غَيْرَ جَبَانِ

مُتَحَوِّلٌ لَكِنَّهُ مُتَمَكِّنٌ … مِنْ نَفْس فِي مِحْوَرِ الدَّوَرَانِ

وَانْ إِذَا نُهزُ النَّجَاحِ تَبَاطَأَتْ … فَإِذَا تَحَيَّنَهَا فَلَيْسَ بِوَانِ

وَمِنَ التَّقَدُّمِ فِي المَجَالِ تَأَخُّرٌ … وَمِنَ البِدَارِ تَلَكُّؤٌ وَتَوَانِ

وَيُكَاتِمُ النَّاسَ الَّذِي فِي صَدْرِه … وَمِنَ القُوَى مَا نِيطَ بِالكِتْمَانِ

فِي مَعْشَرٍ مُتَفَرِّقٍ أَهْوَاؤُهُمْ … كَتَفَرُّقِ الأَذْوَاقِ وَالأَلْوَانِ

أَشَهِيدَ أَنْبَلِ مَا يُكَابِدُ مُغْرَمٌ … بِبِلادِهِ مِنْ حُبِّهَا وَيُعَانِي

تَبْكِيكَ مِصْرُ اليَوْمَ مِثْلَ بُكَائِهَا … يَوْمَ الرَّحِيلِ وَقَدْ مَضَى حَوْلانِ

فَقَدَتْ بِفَقْدِكَ أَيَّ سَيْفٍ صَارِمٍ … عَزَّتْ بِهِ وَدَرِئيَةٍ فِي آنِ

عُنْوَنَ نَهْضَتِهَا وَخَيْرُ مُحَصَّلٍ … مِنْ مَجْدِهَا فِي ذَلِكَ العُنْوَانِ

هَيْهَاتَ يَسْلُبُهَا زَمَانٌ مَنْ لَهُ … فِيهَا مَآثِرُ مِلْءُ كُلِّ زَمَانِ

أَمَّا وَدِيعَتُكَ الَّتِي خَلَّفْتَهَا … فَالحَقُّ يَكْلَؤُهَا فَنَمْ بِأَمَانِ

وَعَلَى اصْطِفَاقِ المَوْجِ فِيمَا حَوْلَهَا … هِيَ مَعْقِلٌ مُتَمَكِّنُ الأَرْكَانِ

يَرْتَدُّ رَيْبُ الدَّهْرِ عَنْهَا حَاسِراً … وَتُصَانُ بِالأَرْوَاحِ وَالأَبْدَانِ

أَقْرَانُكَ الأَمْجَادُ فِي الشَّيبِ الأُولَى … يَرْعَوْنَهَا وَبَنُوكَ فِي الفِتْيَانِ