أَشْفَتْ غَلِيلَ فُؤَادِكَ الظَّمآنِ – خليل مطران
أَشْفَتْ غَلِيلَ فُؤَادِكَ الظَّمآنِ … تِلْكَ العُيُونُ تَسِيلُ مِنْ لُبْنَانِ
أَمْ فُرْقَةُ الأَوْطَانِ قَدْ أَوْدَتْ بِهِ … وَأَشَدُّ رُزْءٍ فُرْقَةُ الأَوْطَانِ
مَا زَالَ مِنْ وَجْدٍ عَلَيْهَا خَافِقاً … حَتَّى اسْتَقَرَّ بِهَا مِنَ الخَفَقَانِ
أَمَّا أَنَا فَتَكَادُ أَحْدَاثُ النَّوَى … تَسْتَنْزِفُ الْعَبَرَاتِ مِنْ أَجْفَانِي
لا تَنْقَضِي بِيَ حِجَّةٌ إِلاَّ وَبِي … أَسَفٌ عَلَى خِدْنٍ مِنَ الأَخْدَانِ
وَيُجَدِّدُ الحُزْنَ الْعَتِيدَ عَلَى أَخٍ … حُزْنِي عَلَى المَاضِينَ مِنْ إِخْوَانِي
هَلْ لِي تَأَسٍّ بَعْدَ بَيْنِكَ وَأَلأَسَى … غَلَبَ الْعَزَاءَ وَبَاتَ مِلْءَ جَنَانِي
قَدْ سَاءَ مَنْعَاكَ الَّذِينَ بَقُوا وَإِنْ … سَرَّ الأُولَى سَبَقُوا مِنَ الأَقْرَانِ
جَزِعَ الصَّبُورُ وَقَدْ سَكَنْتِ لِمَا دَهَى … تِلْكَ العَزِيمَةَ فِي فَتَى الْفِتَيَانِ
وَشَبَابِ ذَاكَ الجِسْمِ فِي رَيْعَانِهِ … وَشَبَابَ تِلْكَ النَّفْسِ فِي الرَّيْعَانِ
أَنَّى سَكَتَّ وَكُنْتَ غِرِّيدَ الحِمَى … وَصَدَاكَ فِيهِ مِلْءُ كُلِّ مَكَانِ
سَيَطُولُ لَيْلُ السَّاهِرِينَ وَلَيْلُهُ … شَوْقاً إِلَى إِنْشَادِكَ الرَّنَّانِ
أَلمَوْتُ خَتَّالٌ وَلَيْسَ بِشَافِعٍ … لِلبُلْبُلِ التَّغْرِيدُ فِي الأَفْنَانِ
مَنْ يَا أَخَا الإِتْقَانِ بَعْدَكَ صَائِغٌ … غُرَرَ الْقَرِيضِ بِذَلِكَ الإِتْقَانِ
كُلُّ الَّذِي أَجْرَيْتَ فِيهِ يَرَاعَةً … أَحْسَنْتَ فِيهِ نِهَايَةَ الإِحْسَانِ
بالطَّبْعِ تُفْرِغُ نَاظِماً أَوْ نَاثِراً … أَسْمَى المَعَانِي فِي أَرَقِّ مَبَانِي
تَهْوَى الرُّقِيَّ فَمَا نَمَلُّ مُبَيِّناً … سُبُلَ الهُدَى وَطَرَائِقَ الْعُمْرَانِ
فَإِذَا نَقَدْتَ فَأَنْتَ أَصْدَقُ طَائِرٍ … بَصَراً بِقَاصٍ فِي الأُمُورِ وَدَانِ
كَمْ حِكْمَةٍ رَدَّدْتَهَا فَأَعَدْتَهَا … وَلَهَا رَنِينُ مَثَالِثٍ وَمَثَانِي
وَمَقَامَةٍ فَصَّلْتَهَا وَوَصَلْتَهَا … وَصْلَ الْفَرِيدِ مُفَصَّلاً بِجُمَانِ
بِفَصَاحَةٍ لَيْسَتْ لِتُبْقِيَ حَاجَةً … فِي نَفْسِ مُطَّلِعٍ إِلَى تِبْيَانِ
وَسَلاسَةٍ تُرْوِي الْغَلِيلَ كَأَنَّهَا … قَطْرُ النَّدَى فِي مُهْجَةِ الْحَرَّانِ
وَدُعَابَةٍ فَتَّانَةٍ لأُولِي النُّهَى … كَدُعَابَةِ الأَنْوَارِ وَالأَلْوَانِ
تَكْفِي الرِّوَايَاتُ الَّتِي دَبَّجْتَهَا … أُمَماً تُطَالِعُهَا إِلَى أَزْمَانِ
صُحُفٌ بِلا عَدٍّ لَهَا آثَارُهَا … مَا كَرَّتِ الأَحْقَابُ فِي الأَزْمَانِ
لا تَبْعَدَنَّ فَإِنَّ فِي أَكْبَادِنَا … لَكَ جَانِباً يَنْبُو عَنِ السُّلْوَانِ
ذِكْرَاكَ فِي رَوْضِ الْوَفَاءِ نَضِيرَةٌ … وَثَرَاكَ مُخْضَلٌّ مِنَ التَّحْنانِ