لَقَدْ أَخَذَتْ مِن دَارِ مَاوِيَّة َ الْحُقْبُ – أبو تمام
لَقَدْ أَخَذَتْ مِن دَارِ مَاوِيَّة َ الْحُقْبُ … أُنْحْلُ المَغَانِي لِلْبِلَى هِيَ أَمْ نَهْبُ
وعَهْدِي بِهَا إِذْ نَاقِضُ العَهْدِ بَدْرُهَا … مراحُ الهوى فيها ومسرحه الخصبُ
مُؤَزَّرَة ً مِنْ صَنْعَة ِ الوَبْل والنَّدَى … بوشيٍ زلت وشيٌ، وعصبٍ ولا عصبُ
تَحَيَّر في آرَامِها الحُسْنُ، فَاغَتْدَتْ … قَرَارَة َ مَنْ يُصْبي ونُجْعَة َ مَنْ يَصْبُو
سَواكِنُ في بِرٍّ كما سَكَنَ الدُّمَى … نَوافِرُ مِنْ سُوءٍ كما نَفَرَ السرْبُ
كواعبُ أترابٌ لغيداءَ أصبحتْ … وليسَ لَها في الحُسْنِ شكْلٌ ولاتِرْبُ
لها منظرٌ قيدُ النَّواظرِ لمْ يزلْ … يروحُ ويغدو في خُفارته الحُبُّ
يَظَلُّ سَرَاة ُ القَوْم مَثَنَى ومَوْحَداً … نشاوى بعينيها كأنَّهمُ شربُ
إلى خالدٍ راحتْ بنا أرحبيَّة ٌ … مَرَافِقُهَا مِن عَنْ كَرَاكِرِهَا نُكْبُ
جَرَى النَّجَدُ الأَحْوَى عليها فأَصبَحَتْ … مِن السَّيْرِ وُرْقاً وهي في نَجْدِها صُهْبُ
إلى مَلِكٍ لَوْلاَ سِجَالُ نَوَالِهِ … لَما كانَ للمَعْرُوفِ نِقْيٌ ولاَ شُخْبُ
مِن البِيضِ مَحْجُوبٌ عَن السُّوءِ والخَنَا … ولا تحجبُ الأنواءَ من كفِّه الحُجبُ
مصونُ المعالي لا يزيدُ أذالهُ … ولامَزيدٌ ولاشريكٌ ولا الصُّلْبُ
ولا مُرَّتا ذُهل ولا الحصنُ غالهُ … ولاَ كفَّ شأويهِ عليٌّ ولاَ صعبُ
وأشباهُ بكرِ المجدِ بكرُ بنُ وائلٍ … وقَاسِطُ عَدْنَانٍ وأَنْجَبَهُ هِنْبُ
مَضَوْا وهُمُ أَوْتَادُ نَجْدٍ وأَرْضِهَا … يُرَوْنَ عِظَاماً كُلَّمَا عَظُمَ الخَطْبُ
وما كان بين الهضبِ فرقٌ وبينهمْ … سوى أنَّهم زالوا ولم يَزُلِ الهَضْبُ
لَهُمْ نَسَبٌ كالفَجْرِ مَا فِيهِ مَسْلَكٌ … خفيُّ ولا وادٍ عنودٌ ولا شعبُ
هو الإضحيانُ الطَّلقُ، رفَّتْ فروعه … وطابَ الثَّرَى مِن تَحْتِهِ وزكا التُّرْبُ
يَذُمُّ سنيدُ القومِ ضِيقَ محلِّهِ … على العلمِ منهُ أنَّهُ الواسع الرَّحْبُ
رأى شرفاً مِمَّن يُريدُ اختلاسه … بَعِيدَ المَدَى فيه على أَهْلِهِ قُرْبُ
فَيَا وَشَلَ الدُّنْيَا بِشَيْبَانَ لاتَغِضْ … ويا كوكبَ الدُّنيا بشيبانَ لا تخبُ
فما دبَّ إلاَّ في بيوتهم النَّدى … ولم تربُ إلاَّ في جحورهم الحربُ
أولاكَ بنو الأحسابِ لولاَ فَعَالهمْ … دَرَجْنَ، فلمْ يُوجَدْ لِمَكْرُمَة عَقْبُ
لهمْ يومُ ذي قار مضى وهوَ مُفردٌ … وَحِيْدٌ مِن الأَشْبَاهِ لَيْسَ لَهُ صَحْبُ
بهِ عَلمتْ صُهْبُ الأَعاجِم أَنَّهُ … بِهِ أَعربَتْ عن ذَاتِ أَنفُسِهَا العُرْبُ
هو المشهدُ الفصلُ الذي ما نجا به … لكسْرَى بنِ كِسْرى لا سَنَامٌ ولاصُلْبُ
أقولُ لأهلِ الثَّغرِ قدْ رُئبَ الثَّأى … وأُسْبغَتِ النَّعْمَاءُ والتَأَمَ الشَّعْبُ
فَسِيحُوا بأَطْرَافِ الفَضَاءِ وأَرْتِعُوا … قنا خَالِدٍ مِن دَرْبٍ لَكُمْ دَرْبُ
فتى ً عندهُ خيرُ الثَّوابِ وشرُّهُ … ومنهُ الإباءُ المَلحُ والكرمُ العذبُ
أشمُّ شريكيٌّ يسيرُ أمامهُ … مَسِيرَة َ شَهْر في كَتائِبه الرُّعْبُ
ولمَّا رَأَى تُوفِيلُ رَايَاتِك التي … إِذَا ما اتلأَبَّتْ لا يُقَاومُهَا الصُّلْبُ
تولَّى ولم يألُ الرَّدى في اتِّباعهِ … كأنَّ الرَّدى في قصدهِ هائمٌ صبُّ
كأنَّ بلادَ الرُّومِ عُمَّتْ بصيحة ٍ … فَضَمَّتْ حَشَاها أَو رَغَا وَسْطَهَا السَّقْبُ
بصَاغِرَة القُصْوَى وطِمَّيْنَ واقْتَرَى … بلاد قَرَنْطَاوُوسَ وَابِلُكَ السَّكْبُ
غَدَا خَائِفاً يَسْتَنْجِدُ الكُتْبَ مُذْعِناً … عليك فلا رسلٌ ثنتكَ ولا كتبُ
وما الأَسَدُ الضرْغَامُ يَوماً بِعَاكِس … صَرِيمَتَه إِنْ أَنَّ بَصْبَصَ الكَلْبُ
ومرَّ ونارُ الكربِ تلفحُ قلبهُ … وما الرَّوْحُ إلاَّ أَنْ يُخَامِرَهُ الكَرْبُ
مَضَى مُدْبِراً شَطْرَ الدَّبُور، ونَفْسُهُ … على نفسهِ من سُوءِ ظنَّ بها إلبُ
جفا الشَّرق حتَّى ظنَّ من كان جاهلاً … بدينِ النَّصَارَى أَنَّ قِبْلَتَهُ الغَرْبُ
رَدَدتَ أَدِيمَ الدّين أَمْلَسَ بعدَما … غدا ولياليهِ وأيَّامهُ جُربُ
بِكُلِّ فتى ً ضربٍ يُعرِّضُ للقنا … مُحَيّاً مُحَلّى ً حَلْيُهُ الطَّعْنُ والضَّرْبُ
كُماة ٌ، إذا تُدعى نزالِ لدى الوغى … رَأَيْتَهُمُ رَجْلَى ، كأَنَّهُمُ رَكْبُ
من المطريِّينَ الأولى ليس ينجلي … بِغَيْرِهِم للدَّهْرِ صَرْفٌ ولا لَزْبُ
وما اجتُلِيَتْ بِكْرٌ مِن الحَرْبِ نَاهِدٌ … ولاثَيبٌ إلا ومنهمْ لَهَا خِطْبُ
جُعلتَ نظامَ المكرماتِ، فلم تدرْ … رحا سُؤددٍ إلاَّ وأنت لها قُطبُ
إذا افتخرتْ يوماً ربيعة ُ أقبلتْ … مُجنِّبتي مجدٍ وأنتَ لها قلبُ
يَجِفُّ الثَّرَى مِنْهَا وتُرْبُكَ لَينٌ … وينبو بها ماءُ الغمامِ وما تنبو
بجُودِكَ تَبْيَضُّ الخُطُوبُ إِذَا دَجَتْ … وترجعُ في ألوانها الحجحُ الشُّهبُ
هو المركبُ المُدني إلى كُلِّ سُؤددٍ … وَعَلْيَاءَ إلاَّ أَنَّهُ المرْكَبُ الصَّعْبُ
إِذَا سَبَبٌ أَمْسى كَهَاماً لَدَى امرئٍ … أجابَ رجائي عندكَ السَّببُ العضبُ
وسيَّارة ٍ في الأرضِ ليسَ بنازحٍ … على وخدها حزنٌ سحيقٌ ولا سهبُ
تذرُّ ذرورَ الشَّمسِ في كلِّ بلدة ٍ … وَتَمْضي جَمُوحَاً مايُرَدُّ لها غَرْبُ
عَذَارَى قَوَافٍ كنتُ غَيْرَ مُدَافِعٍ … أبّا عُذرها لا ظُلمَ ذاك ولا غصبُ
إِذَا أُنْشِدَتْ في القَوْمِ ظَلّتْ كأَنَّهَا … مُسِرَّة ُ كِبْرٍ أَو تَدَاخَلَها عُجْبُ
مُفَصَّلَة ٌ باللُّؤْلُو المُنْتَقَى لهَا … من الشعْر إلا أَنَّهُ اللُّؤْلُؤُ الرطْبُ