رقتْ حواشي الدهرُ فهيَ تمرمرُ – أبو تمام

رقتْ حواشي الدهرُ فهيَ تمرمرُ … وغَدَا الثَّرَى في حَلْيِهِ يَتكسَّرُ

نَزلَتْ مُقَدمَة ُ المَصِيفِ حَمِيدة ً … ويدُ الشتاءِ جديدة ُ لا تكفرُ

لولا الذي غرسَ الشتاءُ بكفهِ … لاَقَى المَصِيفُ هَشَائِماً لاتُثْمِرُ

كمْ ليلة ٍ آسى البلادَ بنفسهِ … فيها ويَوْمٍ وَبْلُهُ مُثْعَنْجِرُ

مَطَرٌ يَذُوبُ الصَّحْوُ منه وبَعْدَه … صَحْوٌ يَكادُ مِنَ الغَضَارة يُمْطِرُ

غَيْثَانِ فالأَنْوَاءُ غَيْثٌ ظاهِرٌ … لكَ وجههُ والصحوُ غيثٌ مضمرٌ

وندى ً إذا ادهنتْ بهِ لممُ الثرى … خِلْتَ السحابَ أتاهُ وهو مُعَذرُ

أربيعنا في تسعَ عشرة َ حجة ً … حَقّاً لَهِنَّكَ لَلرَّبيعُ الأزْهَرُ

ما كانتِ الأيامُ تسلبُ بهجة ً … لو أنَّ حسنَ الروضِ كانَ يعمرُ

أولا ترى الأشياءَ إنْ هيَ غيرتْ … سَمُجتْ وحُسْنُ الأرْضِ حِينَ تُغَيَّرُ 

يا صاحِبَيَّ تَقصَّيا نَظرَيْكُمَا … تريا وجوهَ الأرضِ كيفَ تصورُ

تريا نهاراً مشمساً قد شابهُ … زهرُ الربا فكأنما هو مقمرُ

دنيا معاشٌ للورى حتى إذا … جليَ الربيعُ فإنما هيَ منظرُ

أضحتْ تصوغُ بطونها لظهورها … نَوْراً تكادُ له القُلوبُ تُنَورُ

مِن كل زَاهِرَة ٍ تَرقْرَقُ بالنَّدَى … فكأنها عينٌ عليهِ تحدرُ

تَبْدُو وَيحجُبُها الجَمِيمُ كأنَّها … عَذْرَاءُ تَبْدُو تارَة ً وتَخَفَّرُ

حتَّى غَدَتْ وَهَدَاتُها ونِجَادُها … فِئتيْنِ في خِلَعِ الرَّبيع تَبَخْتَرُ

مُصْفَرَّة ً مُحْمَرَّة ً فكأنَّها … عُصَبٌ تَيَمَنُّ في الوَغَا وتَمَضَّرُ

منْ فاقعِ غضَّ النباتِ كأنهُ … دُرٌّ يُشَقَّقُ قَبْلُ ثُمَّ يُزَعْفَرُ

أو ساطعِ في حمرة ٍ فكأنَّ ما … يدنو إليهِ منَ الهواءِ معصفرُ

صنعُ الذي لولا بدائعٌ صنعهِ … ماعَادَ أصْفَرَ، بَعْدَ إِذْ هُوَ أَخْضَرُ

خلقٌ أطلَّ منَ الربيعِ كأنهُ … خلقٌ الإمامِ وهديهُ المتيسرِ

في الأَرْضِ مِنْ عَدْلِ الإمام وجُودِه … ومِنَ النّباتِ الغض سُرْجٌ تَزْهَرُ

تُنْسَى الرياض وما يُرَوّضُ فَعْلُه … أَبَداً على مَرّ اللَّيالي يُذْكَرُ

إنَّ الخَلِيفَة َ حينَ يُظلِمُ حادثٌ … عينُ الهدى وله الخلافة ٌ محجرُ

كَثُرَتْ بهِ حَرَكاتُها ولقَدْ تُرَى … منْ فترة ٍ وكأنها تتفكرُ

ما زِلْتُ أَعْلَمُ أَنَّ عُقْدَة َ أَمْرِها … في كفهِ مذ خليتْ تتخيرُ

سكنَ الزمانُ فلا يدٌ مذمومة ً … للحادِثَاتِ ولا سَوَامٌ يُذْعَرُ

نَظَمَ البِلادَ فأَصبَحتْ وكأنَّها … عقدٌ كأنَّ العدلَ فيهِ جوهرُ

لم يبقَ مبدى موحشٌ إلاَّ ارتوى … مِنْ ذِكْرهِ فكأنَّما هُوَ مَحْضَرُ

ملكٌ يضلُّ الفخرُ في أيامهِ … ويقلُّ في نفحاتهِ ما يكثرُ

فَلَيَعْسُرَنَّ على اللَّيَالي بَعْدَهُ … أنْ يبتلى بصروفهنَ المعسرُ