فنون الوصف – إيليا أبو ماضي
كأنّي في روض أرى الماء جاريا … أمامي ، و فوقي الغيم يجهد بالنشر
توهّمته هما فقلت له انجلي … فإنّ همومي ضاق عن وسعها صدري
بربّك سر حيث الخلي فإنّني … فتى لا أرى غير المصائب في دهري
فأقشع حتّى لم أشكّ بأنّه … أصاخ إلى قولي و ما شكّ في أمري
رعى الله ذيّاك الغمام الذي رعى … عهودي و أولاني الجميل ولم يدر
تظلّلت بالأشجار عند اختفائه … و يا ربّ ظلّ كان أجمل من قطر
جلست أبثّ الزّهر سرّا كتمته … عن الناس حتّى صرت أخفى من السّرّ
و لمّا شكوت الوجد تمايلت … كأنّ الذي أشكوه ضرب من الخمر
و أدهشها صبري فأدهشني الهوى … دهشت لأنّ الزّهر أدهشها صبري
و لمّا درت أنّي محبّ متيّم … بكت و بكائي كلّ ضاحك مفتر
عجبت لها تبكي لمّا بي و لم يكن … عجيبا على مثلي البكاء من الصخر
كأنّي بدر ، و الزهور كواكب ، … و ذا الروض أفق ضاء بالبدر و الزهر
كأنّي و قد أطلقت نفسي من العنا … مليك لي الأغصان كالعسكر المجر
فما أسعد الإنسان في ساعة المنى … و ما أجمل الأحلام في أوّل العمر ؟
و هاتفه قد أقلقتني بنوحها … فكنت كمخمور أفاق من السّكر
ترى روّعت مثلي من الدّهر بالفرا … ق ، أم بدّلت مثلي من اليسر بالعسر
بكيت و لو لم أبك مما بكت له … بكيت لمّا بي من سقام و من ضرّ
و نهر إذا والى التجعّد ماؤه … ذكرت الأفاعي إذ تلوي على الجمر
تحيط به الأشجار من كلّ جانب … كما دار حول الجيد عقد من الدّر
و قد رقمت أغصانها في أديمه … كتابا من الأوراق ، سطرا على سطر
كأنّ دنانير تساقط فوقه … و ليس دنانير سوى الورق النّضر
كأنّي به المرآة عند صفائها … تمثّل ما يدنو إليها و لا تدري
فما كان أدرى الغصن بالنظم و النثر ؟ … و ما كان أدرى الماء بالطّيّ و النّشر
ذر المدح و التشبيب بالخمر و المهى … فإنّي رأيت الوصف أليق بالشعر
و ما كان نظم الشّعر دأبي و إنّما … دعاني إليه الحبّ و الحبّ ذو أمر
و لي قلم كالرّمح يهتزّ في يدي … إلى الخير يسعى و الرّماح إلى الشّر
و تفتك هاتيك الأسنّة في الحشى … و يحيي الحشى إن راح بفتك بالخير
إذا ما شدا بالطرس أذهب شدوه … هموم ذوي الشّكوى ووقر ذوي الوقر
تبختر فوق الطرس يسحب ذيله … فقالوا به كبر ، فقلت عن الكبر
لكلّ من الدنيا حبيب و ذا الذي … أشدّ به أزري و يعلو به قدري
و يبقى به ذكرى إذا غالني الرّدى … حسب الفتى ذكر يدوم إلى الحشر