عقابيل داء – محمد مهدي الجواهري

عقابيلُ داءٍ ما لهُنَّ مطبَّبُّ … ووضعٌ تغشَّاهُ الخَنا والتذَبذُبُ

ومملكةٌ رهنُ المشيئاتِ أمرُها … وأنظمةٌ يُلهى بهنَّ ويُلْعَب

وناهيكِ مِن وضعٍ يعيشُ بظّله … كما يتَمنَّى مَن يخونُ ويكذِب

وقرَّ على الضيمِ الشبابُ فلم يَثُرْ … وأخلدَ لا يُسدي النصيحةَ أشيب

كأنْ لم يكنْ في الرافدينِ مُغامرٌ … وحتى كأنْ لم يبقَ فيه مجرِّب

أعُقماً وأُمَّاتُ البلادِ ولودةٌ … وإنَّكِ يا أُمَّ الفراتينِ أنجب

وما أنكَّ يُزهى منكِ في الصِّيدِ أصيدٌّ … ويَلْمَعُ في الغُلْبِ الميامينِ أغلب

إذا قيلَ مِن أرضِ العراق تطَّلعَتْ … عيونٌ له وانهالَ أهلٌ ومرحب

يُحكِّمُ في الجُلَّى أغرُّ مُشَّهَرٌ … ويحْتاجُ في البلوى عذيقٌ مرَجَّب

فما لكِ لا بينَ السواعدِ ساعدٌ … يُحَسُّ ولا بينَ المناكبِ مَنكِب

تنادتْ بويلٍ في دياركِ بومة … وأعلنَ نَحْساً في سماكِ مُذَنَّب

وأُلْبِسْتِ من جَورٍ وهضمٍ ملابساً … أخو العزِّ عنها وهو عريانُ يرغب

تكاثرت الأقوالُ حَقاً وباطلاً … وقالَ مقالَ الصدقِ جلْفٌ مُكذَّب

وشُكِّكَ فيما تدَّعيه تظنِّياً … ولو أنَّه شحمُ الفؤادِ المذَوَّب

وباتَ سواءً من يثورُ فيغتلي … حماساً ومن يلهو مُزاحاً فيلعب

فما لكَ من أمرينِ بُدٌّ وإنما … أخفهما الشرُّ الذي تتجنب

سكوتٍ على جمرِ الغضا من فضائحٍ … تُمَثَّلُ أو قولٍ عليه تُعذَّب

تحفَّتْ أُباةٌ حين لم يُلْفَ مركبٌ … نزيهٌ إلى قصدٍ من العيشِ يُركب

فلا العلمُ مرجوٌّ ولا الفَهمُ نافعٌ … ولا ضامنٌ عيشَ الأديبِ التأدُّب

ومُدَّخَرٌ سوطُ العذابِ لناهضٍ … ومُدَّخَرٌ للخاملِ الغِرّ مَنْصِب

أقولُ لمرعوبٍ أضلَّ صوابَه … تَردّي دساتيرٍ تُضِلُّ وتُرْعِب

تداولَ هذا الحُكْمَ ناسٌ لوَ انَّهم … أرادُوهُ طيفاً في منامٍ لخُيّبوا

ودعْ عنكَ تفصيلاً لشَتَّى وسائلٍ … بها مُلِّكُوا هذي الرقابَ وقرِّبوا

فأيسَرُها أنْ قد أُطِيلَ امتهانُهم … إلى أنْ أدَرُّوا ضَرعَها وتحَلَّبوا

وأعجبُ ما قد خلَّفتْهُ حوادثٌ … قليلٌ على أمثالهنَّ التَّعّجب

سكونٌ تَغشَّى ثائرينَ عليهمُ … يُعَوَّلُ أنْ خطبٌ تجرَّمَ أخْطب

عتابٌ يحُزُّ النفسَ وقعاً وإنه … لأنزهُ من صوبِ الغوادي وأطيب

عليكُمْ لأنَّ القصدَ بالقولِ أنتمُ … وليسَ على كلّ المسيئينَ يُعتب

هَبوا أنَّ أقواماً أماتَ نفوسَهُم … وألهاهُمُ غُنْمٌ شهيٌّ ومكسَب

قصورٌ وأريافٌ يَلَذُّونَ ظِلَّها … وجاهٌ وأموالٌ ومَوطيً ومَركب

يخافونَ أنْ يَشْقوا بها فيؤاخَذو … إذا كشفوا عمَّا يَروَن وأعربوا

فما بالُ محروبينَ لم يحلُ مَطعمٌ … لهُم ، فيُلهيهمْ ، ولم يصفُ مَشْرَب

خَلِيَّينَ لا قُربى فيُ خْشَى انتقاصُها … لديهمْ ، ولا مالٌ يُبَزُّ فيُسْلَب

سلاحُ البلادِ المرهفُ الحدِّ ماله … نَبا منهُ في يومِ التَّصادُم مضرب؟

على أنَّني إذ أُسْعُ الأمرَ خِبْرَةً … يلوحُ ليَ العذرُ الصحيح فأصْحِب

همُ القومُ نِعم القومُ لكنْ عراهمُ … ذهولٌ به تُصْبي الغَيارى وتُخلَب

تَغوَّلَ منهم حزمَهُم إلْبُ دهرِهم … عليهم وقد يُوهي القويَّ التألّب

وكلّ شُجاعٍ عاونَ الدهرَ ضَّده … مرّجيهمُ فهو المضامُ المغلَّب

قليلونَ في حين ِ الرزايا كثيرةٌ … وطيدونَ في حينِ الأساليبُ قُلَّب

جريئونَ لكنْ للجراءةِ موضعٌ … وعاقبةٌ ، إنّ العواقبَ تُحْسَب

يُلاقون أرزاءاً يَشُقّ احتمالُها … وليس بميسورٍ عليها التَّغلّب

فهاهم كمَنْ سُدَّ الطريقُ أمامَه … وضلَّله داجٍ من الليلِ غَيْهَب

على أنَّهم لا يهتدُونَ بكوكبٍ … وقد يُرشِدُ الحَيرانَ في اللِّيل كوكب

إلى الأممِ اللاَّتي استَتَمَّتْ وُثُوبَها … تَشَكَّى اهتِضاماً أُمَّةٌ تَتوَّثب

إذا خلصَتْ مِن عَثْرةٍ طوَّحتْ بها … عَواثرُ مَن يُؤخذْ بها فهو مُحْرَب

وإنْ فاتَها وحشٌ صَليبٌ فؤادُه … تَعَرَّضَ وحشٌ منه أقسى وأصلَب

يُعينُ سِياسياً عليها تفرُّقٌ … وَينصُرُ رَجعيّاً عليها تَعصّب

أُريدَ لها وجهٌ يُزيلُ قُطوَبها … فزيدَ بها وجهٌ أغمُّ مُقطَِّب

وَرِّبتما لاحتْ على السنِّ ضِحكةٌ … له تَنفُثُ السمَّ الزعافَ وتَلصِب

يُرى أبداً رَّيانَ بالحِقْدِ صَدرهُ … كما شالَ لَّلْدغِ الذنابَينِ عَقرب

وتلكَ من المُستَحْدثِ الحُكمِ عادةٌ … يَرى فُرصةً منه اقتِداراً فيضرِب

وما جِثتُ أهجوهُ فلمْ يبقَ مَوضعٌ … نَزيهٌ له بالهجو يُؤتى فيُثْلَب

ولكنه وصفٌ صَحيحٌ مُطابقٌ … يجىءُ به رائي عَيانٍ مُجِرّب

تُشَرَّدُ سُكَّانٌ لسُكنى طوارئ … وتُؤَخذُ أرضٌ من ذويها فتوَهب

وواللهِ لولا أنّ شَعباً مُغَلَّباً … يُلَزُّ بَقرنيهِ كمِعزى ويحلَب

لما عَبِثَتْ فيه أكُفٌّ جَذيمةٌ … ولمْ يَعُلهُ هذا الهجينُ المهلَّب

ولكن رَضوا من حُبّهمْ لبلادِهمْ … بأنَّهمُ يَبكُونها حينَ تُنكَب

فيا لكَ مِن وضعٍ تعاضلَ داؤهُ … تُشاطُ له نَفْسُ الأبيِّ وتُلهب

وللهِ تَبريحُ الغَيارى بحالةٍ … كما يَشتهيها أشعبيُّ تُقَلَّب

يُنَفَّذُ ما تَبغي وتَنهى ” عقائلٌ ” … وتَعزِلُ فينا ” غانياتٌ ” وتَنصِب

كأندلُسِ لَمَّا تَدَهْوَرَ مُلْكُها … مُكَنّى جُزافاً عِندنَا ومُلَقَّب

ورُبَّ وسامٍ فوقَ صدرٍ لو انَّهُ … يُجازَى بحّقٍ كانَ بالنعلِ يُضرَب

نشا ربُّهُ بينَ المخازي وراقهُ … وِسامٌ عليها فهو بالخزيِ مُعْجَب

أفي كلِّ يومٍ في العراقِ مؤمَّرٌ … غريبٌ به لا الأمُّ منه ولا الأب

ولم يُرَ ذا بَطْشٍ شَديدٍ وغِلظَةٍ … على بَلَدٍ إلا البعيدُ المُجنَّب

أكُلُّ بَغيضٍ يُثقِل الأرضَ ظِلُّهُ … وتأباهُ يُجبى للعراقِ ويجْلَب

وحُجَّتُهم أن كانَ فيما مضى لنا … أبٌ ، اسمهُ عندَ التواريخِ يَعْرُب

عِديدُ الحَصى أنباؤهُ ولِكلِّهمْ … مَجالٌ ومَلهىَ في العراقين طَيّب

وقد أصبحوا أولى بنا من نُفُوسِنا … لأنَّهمُ أرحامُنا حينَ نُنْسَب

فأمَّا بَنُوه الأقربونَ فما لهمْ … نصيبٌ به إلَّا مُشاشٌ وطَحْلب

فيا أيُّها التاريخُ فارفُضْ مَهازِلاً … سَتْرفُضها أقلامُنا حين تُكتَب

وقُلْ إنَّني أُودعتُ شتَّى غَرائبٍ … ولا مثلَ هذي فهي منهُنَّ أغرَب