سَقَوْهُ كأسَ فُرْقَتِهِمْ دِهاقا – ابن الخياط

سَقَوْهُ كأسَ فُرْقَتِهِمْ دِهاقا … وأسْكرهُ الوداعُ فما أفاقا

إذا ما الكأْسُ لمْ تَكُ كأسَ بينٍ … فليست بالحميمِ ولا الغَساقَا

أبى إلاّ افتراقاً شملُ صبري … وَدَمْعِي إذْ نأوْا إلاَّ افْتِرَاقا

رِفاقٌ ما ارْتَضَوْا في السَّيرِ إلاَّ … قُلُوبَ الْعاشِقينَ لَهُمْ رِفاقا

أرائِقَة َ الجَمَالِ وَلاَ جَمِيلٌ … أرَاقَكِ أنْ جَعَلْتِ دَمِي مُرَاقا

وَسِرْتِ فَلَمِ أسَرْتِ فُؤادَ حُرِّ … حَلَلْتِ وَمَا حَلَلْتِ لَهُ وَثَاقا

تُعَيِّرُنِي بِأحْداثِ اللَّيالِي … وَكَيْفَ يُدَافِعُ الْبَدْرُ الْمِحاقا

شَبابٌ كانَ مُعْتَلاًّ فَوَلَّى … وصدْرٌ كان مُتسعاً فضاقَا

يُكَلِّفُنِي الزَّمَانُ مَدِيحَ قَوْمٍ … يَرَوْنَ كَسادَ ذِكْرِهِمُ نَفَاقا

ومنْ يرجُو منَ النارِ ارتواءً … كمنْ يخشى من الماءِ احتراقَا

ولوْ أنَّ الزمانَ أرادَ حمْلَ الَّـ … ـذي حُمِّلْتُ منهُ ما أطَاقا

ولي عزمٌ أنالُ بهِ انفتاحاً … لِبابِ الْمَجْدِ إنْ خِفْتُ انْغِلاقا

بَعَثْتُ بهِ النِّياق وَقَدْ يُرَجِّي … أنيقَ العيشِ مَن بعثَ النِّياقا

سريتُ بها وحظِّي ذُو سُباتٍ … وجئْتُ أبا الفوارسِ فاستفاقا

سعى وسعى الملُوكُ فكانَ أقصى … مدى ً وأشدَّ في السَّعْيِ انطلاقا

وأطْوَلَهُمْ لدى العلْياءِ باعاً … وأثْبَتَهُمْ لَدى الْهَيْجَاءِ سَاقا

يطبِّقُ غيثُهُ أرضَ الأماني … ويسمُو سعدُهُ السَّبعَ الطِّباقا

ويسبقُ عزمهُ كلمَ الليالي … فَكَيْفَ يُحَاوُلُونَ لَهُ سِبَاقا

ومن يطلبْ للمْعِ البرقِ شأواً … يَجِدْهُ أعزَّ مَطْلُوبٍ لَحاقا

وَمَا بِالْجَدِّ فَاقَ النَّاسَ صِيتاً … وَلَكِنْ بِالنَّدَى والْبَأسِ فَاقا

ومن خطبَ المعاليَ بالعوالِي … وبالجدوى فقد أربى الصداقا

وَإنْ طَرقَ الْعِدى لَمْ يَرْضَ مِنْهُمْ … سوى هامِ الملوكِ لهُ طِراقا

وَقَدْ كَرِهَ التَّلاَقِي كُلُّ صَبٍّ … كأنَّ إلى الفراقِ بهِ اشْتياقا

وَشَدَّد بِالخِنَاقِ على الأعادِي … فتى ً راخى بنائلهِ الخِناقا

تلاقتْ عندك الآمالُ حتّى … أبى إسرافُ جودِكَ أنْ يُلاقا

وأقبلَ بالهناءِ عليكَ عيدٌ … حَداهُ إليك إقبالٌ وساقا

فسرَّكَ وهوَ منْكَ أسَرُّ قلباً … وَلاَ عَجَبٌ إنِ المُشْتاقُ شَاقا

وَمِثْلُكَ يَا مُحَمَّدُ سَاقَ جَيْشاً … يُكَلِّفُ نَفْسَ رَائيهِ السِّياقا

إذا الخَيْلُ الْعِتاقُ حَمَلْنَ هَمّاً … فهمُّكَ يحملُ الخيلَ العتاقا

وَمَنْ عَشِقَ الدِّقَاقَ السُّمْرَ يَوْماً … فإنكَ تعشقُ السّمْرَ الدِّقاقا

وَتَخْتَرِمُ الْمُلُوكَ بِها اخْتِرَاماً … وَتَخْتَرِقُ الْعَجاجَ بِها اخْتِرَاقا

يَسُركَ أنْ تُساقي الجيشَ كأْساً … منَ الحربِ اصطباحاً واغتباقَا

وأشجعُ مَن رأيناهُ شُجاعٌ … يُلاقيهِ السرورُ بأنْ يُلاقى

وما ماءٌ لذِي ظمإٍ زُلالٌ … بأعْذَب منْ خلائقهِ مذاقا

حباني جودُهُ عيشاً كأنِّي … ظفرتُ به منَ الدهرِ استراقا

فأيَّامِي بهِ بِيضٌ يِقَاقٌ … وَكَانَتْ قَبْلَهُ سُوداً صِفَاقا

وطَّوقني ابنُ مالِكَ طوقَ مَنٍّ … فصُغْتُ من الثناءِ لهُ نِطاقا

أرى الأيَّامَ لا تُعْطِي كَرِيماً … بلوغَ مُرادِهِ إلاَّ فَوَاقا

فَلا عَاقَتْكَ عَنْ طَلَبِ الْمَعالِي … إذا الأيَّامُ كادَتْ أنْ تُعاقا