ذكريات شيخين – عبدالله البردوني
كان يا (عمرو) هنا بيت المرّح … زنبقيّ الوعد ، صيفي المنح
الطيوف الحمر ، والخضر على … مقلتيه ، كنعاقيد البلح
أشمست فيه الليالى .. والمدى … يثريات دواليه اتّثح
كان مضيافا ، إذا ما جئته … شعّ كالفجر ، وكالورد نفح
فانمحى : يا للتلاقي بعدما … نزح الروّاد عنه ونزح
يا ترى ، من أين نمشي ؟ ها هنا … قام حي ، وهنا أرسى مصع
وعهدنا منزلا قزما هنا … من ترى عملقة ، حتى طمح ؟
واستراحت ها هنا مقبرة … قرب العمران منها فاكتسح
ووراء السور ، أرسى مصنع … وهناك ، امتد سوق وانفسح
أين نحن الآن ؟ وارى عهدنا … وجههه ، وانطفأت فيه الملّح
أنكر (النهرين) وجهينا من … قبله ، أنكرنا (باب السّبح)
من يقوّينا ، وكنا زمنا … كبغال (الروم) أوخيل (جمع)
ها هنا نجلس ، يا (عمرو) ترى … ما اقتنى التأريخ منا واطّرح ؟
خط آثار خطانا ، زمن … بيديه وبرجليه ، مسح
فانحنى (عمرو) وقال : اذكر لنا … يا (علي) الأمس واترك ما اجترح
أمسنا ، كان كريما معدما … وزمان اليوم ، أغنى وأشح
كيف كنّا ننطوي ، خلف اللّحى … ونواري من هوانا ، ما افتضح
يوم أعلنت (روضة) برقعها … واستجدنا ما اختفى مما اتضح
أطمتنا .. وألحّت في النوى … عن يدينا ، وتشهّينا ألح
فترددنا على جار لها … نشتري التبغ ، ونطري ما امتدح
وأطلّت ذات صبح مثلما … يرتدي صحو الربى (قوس قزح)
فارتعشنا ، وانجلت دهشتنا … ثم أومأنا اليها ، بالسّبح
فاقتفتنا ، وتركمنا للهوى … كل أمر ، وأطعنا ما اقترح
ومضى عامان ، لا ندري متى … جدّ حادي العمر ، أو أين مزح؟
كيف كنا ، قبل عشرين نعي … همسة الطيّف ، وإيماء الشبح
ونغني كالسكارى ، قبل ان … يعد العنقود اشواق القدح
ثم اصبحنا نشازا ، صوتنا … في ضجيج اليوم ،كالهمس الأبح
كلّ شيء صار ذا وجهين ، لا … شيء يدري ، أين وجهه أصح ؟
يا (علّي) : انظر ، ألاح المنتهى … لا انتهى المسعى ، ولا الساعي نجح
لم تعد نهنأ ، ولا نأسى ، ذوت … خضرة الانس ، خبت نار الترح
أو خبا الحسّ الذي كنّا به … نطعم الحزن ، ونشتمّ المرح
لم يعد شيء كما نألفه … فعلام الحزن أو فيا الفرح؟
دخلت (صنعاء) بابا ثانيا … ليتها تدري ، إلى اين أفتتح