حاذِرِ الحُبَّ إِنَّ في الحُبِّ شَرّا – الياس أبو شبكة

حاذِرِ الحُبَّ إِنَّ في الحُبِّ شَرّا … فَهوَ نارُ القَلبِ تصهُر صَهرا

إِن يَكُن في الرِجال قَلبٌ غدور … فَقُلوبُ النِساءِ أَقرَبُ غَدرا

وَفَتاةٍ أَعارَها البَدرُ نوراً … فَأَضاءَت بَينَ الكَواكِبِ بَدرا

تَغمِزُ الكُحل في غضاضَة جَفنَي … ها دَلالاً فَيرجِع الكحلُ سِحرا

رامَ مِنها فَتى مراماً شَريفاً … كلُّ ما شاءَه الفَتى كانَ طُهرا

وَالهَوى شارِد البَصائِر أَعمى … ليسَ يَدري بِما بهِ العَقل أَدرى

قَد أَحبَّ الفَتيُّ فيها جمالاً … وَأَحَبَّت فيه ثَراءً وَقَدرا

ما مَضى بَعضُ أَشهُرِ الحُبِّ حَتّى … ماتَ عَن ثَروَةٍ أَبوهُ فَأَثرى

أُمهُ وَهيَ في العَفافِ مثالٌ … ردَعته عَنها فَظلَّ مُصِرّا

نَصَحتَه فَما أَرادَ اِنتِصاحاً … وَغَدا يَبذر الدَنانيرَ بَذرا

قالَ يا أُمِّ أَيُّ شَيءٍ معيبٌ … في غَرامي وَأَيُّ شَيءٍ أَضَرّا

أَنا أَهوى فيها فُؤاداً أَبرّاً … وَهيَ تَهوى فيَّ الفُؤادَ الأَبرا

فَأَجابَتهُ لا أَلومُك يا اِبني … فَرَبيعُ الشَبابِ بِالحُبِّ أَحرى

غَير أَنَّ الفَتاةَ لا خَيرَ فيها … فَجَمالُ الأَخلاقِ مِنها تَعَرّى

مِل إِلى غَيرِها إِذا رمتَ تَهوى … وَاِختَبِر قَبل أَن تَهوّرَ خُبرا

فَالصبياتُ قَد تكنَّ عهارى … وَأَزاهيرُ قَد تَكنَّ وتبرا

قالَ تِلكَ الفَتاةُ غرس فُؤادي … فَدَعيها في الحُبِّ تُزهِرِ زَهرا

إِنَّها لي وَلَن تَكونَ لِغَيري … وَعليَّ العُقبى إِذا جِئتُ وِزرا

هذهِ قِطعَةُ من الماسِ يا هِن … دُ وَذي قِطعَةٌ من الماسِ أُخرى

زَيِّني صِدرَكِ الجَميلَ وَسُرّي … فَغَداً تَنظُرينَ في الجَيد عشرا

وَاِرتَمي في ذِراعَها مُستَهاماً … فَتَمَنّى هُناكَ لَو نامَ شَهرا

فَهوَ سَكرانُ من غَرامٍ شَريف … وَهيَ بِالجَوهَرِ المُشَعشِعِ سَكرى

هِندُ إِنَّ الرَبيعَ في الحَقلِ بَسّا … مٌ وَعَرف الزهورِ يُنشَر نَشرا

فَاِنشُقيهِ فَفيهِ عطر زَكيٌّ … وَاِسكَبيهِ عَلى إِهابيَ عطرا

كلّ ما في الحَياةِ يَرنو إِلَينا … بِحنوٍّ عَساهُ أَن يَستَمِرّا

فَفُؤادي قَفرٌ بِغَير هِيامي … وَحَياتي بِغَير حُبِّيَ قَفرا

هِندُ يا هِندُ أَنشِدي ليَ أَيضاً … وَاِنظُري مَوكِبَ الدُجى كَيف مرّا

وَأَفاقَ الفَجرَ الجَميلُ عَلى صَو … تِكِ يُلقي عَلى غَرامِيَ فَجرا

مرَّ عام وَالحُبّ يَزدادُ يَوماً … بَعدَ يَومٍ وَالمالُ يَزداد هَدرا

وَعَدا الفَقرُ في طَريق هَواهُ … وَأَتاهُ الهَوى فَصادَفَ فَقرا

عِندَ هذا تَبَدَّلَت حالُ هِندٍ … وَاِستَمَرَّت إِلَيهِ تَنظُرُ شزرا

لَو أَتاها وَبَينَ أَضلُعُه العَط … فُ للاقى في صَدرِها الصَلبِ صَخرا

جاءَها في مَساءِ يَومٍ وَلكِن … قَبلَ اَن يَدخلَ اِختَشى وَاِقشَعرا

ذاكَ أَنَّ الفَتى تَسرَّق أَمراً … من حَديثٍ قَد دارَ في البَيتِ سِرّا

قالَت الأُمُّ أَنتِ وِقرٌ ثَقيلٌ … وَبَقاءُ الحَبيبِ أَثقَلُ وَقرا

فَمن الجَهلِ بَعد أَن سيمَ خسفاً … أَن يَكونَ الفَتى لأمِّكِ صِهرا

فَالجنينُ الَّذي دفنّاهُ بِالأَمسِ … اِجعَليهِ في سِرٍّ صَدرِك قَبرا

فَاِحذَري أَن يُقالَ إِنَّك عار … وَاِحذَري أَن يُقالَ إِنك عُرّى

دخل الصبُّ غَيرَ أَنَّ شراراً … كانَ في مُقلَتَيه يسعُر سعرا

فَاِعتَرى الأُمَّ عند مرآه ذعرٌ … وَرَأى في الفَتاةِ خوفاً وَذُعرا

قالَ عذراً يا هِندُ إِنَّ فُؤادي … أَخطَأَ السَيرَ معكِ يا هندُ عذرا

أَنا لم أَهوَ فيكِ عهراً لِأَني … طاهِرُ الذيلِ لَستُ أُدركُ عهرا

وَاِنثنى هائِماً عَلى نَفسِهِ الثَك … لى فَلَم يُستَفق وَلم يُستقرّا

وَسَرى السَقم بَعدَ ذلِكَ فيهِ … وَمَشى في العِظامِ يَنخُر نَخرا

وَلَدي لَيسَ عِندَنا اليَومَ فِطرٌ … وَمنَ الأَمسِ لَم نَذُق قَطُّ فِطرا

فَالخَوابي فَرَغنَ من كُلِّ شَيءٍ … وَمنَ الخُبزِ لا نُصادِفُ نَزرا

أُترِكيني يا أُمِّ لا تُزعِجيني … بِحَديثٍ قَد شاخَ حَتّى اِسبطرّا

فَأَنا كافِرٌ وَسَوفَ يَراني … كلُّ مَن مَرَّ بي أُزَوِّدُ كُفرا

وَمَضى وَالظَلامُ يسدلُ ستراً … فَوقَهُ وَالعَذابُ يسدلُ سَترا

ضَعضَعته ذِكرى أَمرَّت عَلَيهِ … جَنحَها وَاِستَفاقَ يَنفُثُ جَمرا

فَرَأى نَفسَهُ أَمامَ فَتاةٍ … أَنشَبَت من غَرامِها فيهِ ظِفرا

فَاِنتَسى ما مَشى عَلَيهِ وَأَحيا … حُبَّهُ عامِلُ الجَمالِ فَخرّا

حَدَّقَت فيهِ فَترَةً فَتَراءى … في لماهُ أَمامِها طَيفُ ذِكرى

فَتَناسَت وَحَوَّلَت عَنهُ جِفناً … كانَ بِالأَمسِ يَنثُرُ الحُبَّ نَثرا

هِندُ إِنّي عَطشان جُرعَةُ ماءٍ … فَشفاهي الصَفراءُ يا هِندُ حرّى

فَمشى في جَبينِها شبحُ الغَدرِ … وَفي عَينِها اِستَوى وَاِكفَهَرّا

وَأَتَتهُ بِكَأسِ خَمرٍ وَقالَت … إِشرَبِ الكَأسَ إِنَّ في الكَأسِ خَمرا

ثُمَّ قالَت في نَفسِها إِنَّ سُمّي … سَوفَ يُبقي سِرّي بِصَدرِكَ دَهرا