تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ – الياس أبو شبكة

تُذَكِّرُني وَحَقِّكَ ما نَسيتُ … وَهَل أَنسى شُجونَكَ ما حَييتُ

أُحِسُّكَ في الحَرارَةِ مِن حَنيني … كَأَنَّكَ في غَليلِ دَمي تَبيتُ

وَأَسمَعُ مِنكَ ما أَسمَعتَ قَلبي … وَقَد غَدَرَ الحَبيبُ المُستَميتُ

يُغَرِّقُ مِن عُيونكَ في عُيوني … هَوً ساهٍ وَوِجدانٌ شَتيتُ

تَقولُ أَرى عَلى وَقبَيكَ خَمراً … إِذا وُصِفَت تَنَكَّرَتِ النعوتُ

أَخافُ عَلَيكَ مِن دَمِها فَإِنّي … بَذَلتُ لَها الحَياةَ وَما رَويتُ

هَواكَ هَوايَ قَلبُكَ مِثلُ قَلبي … كَما تَهوى عَلى مَضمَضٍ هَويتُ

سَلَكنا مُعضِلَ الدُنيا وَلكِن … شُفيتَ مِنَ الشَقاءِ وَما شُفيتُ

تُرابُ القَبرِ أَسلَمُ مِن فِراشٍ … عَلى جَنبَيهِ ثُعبانٌ وَحوتُ

رَأَيتُكَ تَملَأُ الدُنيا ضِياءً … وَفي عَينَيكَ تَحتَرِقُ الزُيوتُ

وَتَفنى في المَحَبَّةِ وَهيَ بِكرٌ … وَيَسمَنُ حَولَكَ البُغضُ المَقيتُ

وقَلبُ الحُرِّ آفَتُهُ هَواهُ … وَآفَةُ وَحيِهِ الأَدَبُ النَحيتُ

فَفيهِ يُحَقَّرُ الخَزُّ المُوَشّى … وَيُكرَمُ في سِواهُ العَنكَبوتُ

تَكَلَّم يا فِليكسُ فَنَحنُ صَرعى … وَفي أَعماقِنا حُلُمٌ يَموتُ

وَعَلِّم كَيفَ تُكتَسَبُ المَراقي … وَكَيفَ تُشادُ لِلأُمَمِ البُيوتُ

وَكَيفَ صَواعِقُ الأَفكارِ تَهوي … وَكَيفَ يُجَلجِلُ الشَعبُ الصَموتُ

أُفَتِّشُ في سُكوتِكَ عَن بَياني … فَيُخرِسُهُ بِرَوعَتِهِ السُكوتُ

وَأَبحَثُ عَن شُعاعِكَ في سِراجي … وَلي مِن زَيتِكَ العُلوِيِّ قوتُ

سَمِعتُ المِنبَرَ المَحزونَ يَشكو … فَتَتَّضِعُ الأَرائِكُ وَالتُخوتُ

يَقولُ رُزِقتُهُ أَشهى طَعامي … وَلَمّا اِشتَدَّ ساعِدُهُ قَويتُ

أَبَرُّ الوُلدِ بِالآباءِ خُلقاً … وَأَقرَبُهُم إِلَيَّ إِذا زُهيتُ

عَلى عُريي نَما أَمَلاً وَلَمّا … أَظَلَّتني ذِراعاهُ كُسيتُ

يَلُفُّ وَتينُهُ خَشَبي فَيَحيا … وَيَنبُضُ لي بِهِ شَرَفٌ وَصيتُ

وَكُنتُ أَوَدُّ لَو ذَوّيتَ نَوطاً … لَهُ وَإِلى سَريرَتِهِ رَقيتُ

وَنَوطُ البَعضِ تُحرَمُهُ الأَعالي … وَيُمنَحَهُ الزِبانِيَةُ التَحوتُ

سَمِعتُ عَروسَ شِعرِكَ في خَيالي … تَقولُ عَشِقتُهُ حَتّى اِشتَهَيتُ

فَفي عَينَيهِ ذَوبُ السِحرِ يُرغي … وَفي أَهدابِهِ المِسكُ الفَتيتُ

بَذَلتُ لَهُ الخَطايا مِن عُروقي … وَحينَ لَمَستُ مِرشَفَهُ نَقيتُ

وَأَطلَقتُ الرَوِيَّ لَهُ جَواري … قيانٌ في مَزاهِرِها رَبيتُ

سَمِعتُ بِلادَكَ الثَكلى تُنادي … ليَ الغِطريفُ وَالرجُلُ الثَبيتُ

ليَ الأَنوارُ في عَنَتِ اللَيالي … إِذا ما راغَتِ الدُنيا العَنوتُ

ليَ الفُصحى عَلى أَدَبٍ بَليغٍ … وَمِن أَليانِ ثَديَيها سُقيتُ

وَلَيسَ ليَ الضَواري في خُدوري … تَسَرَّتني وَكَالسِلَعِ اِقتُنيتُ

يُقَعقِعُ في مَشافِرِها سَميجٌ … وَأَدرَدُ أَشنَعُ الدَعوى هَريتُ

عَذيري مِن مَماليكٍ مَوالٍ … لَهُم خُطَطٌ وَلَيسَ لَهُم سُموتُ

سَمِعتُ القَبرَ يَنفُثُ مِن دُجاهُ … حَديثاً فيهِ أَشجاني الخُفوتُ

يَقولُ إِلَيَّ يَأتي كُلُّ حَيٍّ … وَيَبقى في تُرابي ما بَقيتُ

يُقيمُ اِثنانِ في دُنيا سُكوني … فَتىً يَفنى وَآخَرُ لا يَموتُ