حَرَمُ الجَمالِ عَلى سَريرِكِ يَحلُمُ – الياس أبو شبكة

حَرَمُ الجَمالِ عَلى سَريرِكِ يَحلُمُ … وَعَلَيكِ مِن سورِ الهَوى مُتَرَدَّمُ

وَالشَمسُ تِبرٌ في أَديمِكِ كُلَّما … شَبَّ النَهارُ نَما وَأَينَعَ مَوسِمُ

لُبنانُ يا ريفَ السَماءِ وَثَغرَها … في كُلِّ شِبرٍ مِن تُرابِكَ مُلهَمُ

ما أَنتَ بِالبَلَدِ اليَتيمِ وَإِنَّما … في كُلِّ عَينٍ لا تَراكَ تَيَتُّمُ

لَكَ في الفُضولِ عَلى الطَبيعَةِ ذِمَّةٌ … وَعَلى الجَمالِ مُؤَخَّرٌ وَمُقَدَّمُ

فَمنَ الشِتاءِ أَبٌ يَدِبُّ بِصُلبِهِ … جَيشٌ مِنَ الخَضَرِ الجَنِيِّ عَرَمرَمُ

وَمِنَ الرَبيعِ أَجِنَّةٌ لَم يَختَمِر … في مِثلِها نورٌ وَلَم يَطهَر دَمُ

وَلَكَ الشَبابُ كَريمَةٌ أَغصانُهُ … في الصَيفِ تَرتَزِقُ الجِنانُ وَتولَمُ

وَإِذا الخَريفُ تَكَمَّشَت أَعراقُهُ … أَجرى الفُتوَّةُ فيكَ حَتّى المَأتَمُ

لَكَ مِن شَبابِكَ أُسرَةٌ مَيمونَةٌ … فَأَبٌ يَفيضُ نَدىً وَأُمٌّ تَراَمُ

ما اليُتمُ أَن تُشقيكَ أُمٌّ أَو أَبٌ … اليُتمُ أَن تُزريكَ عَينٌ أَو فَمُ

إِنَّ اليَتيمَ مَنِ اِمَّحى وجدانُهُ … هُوَ مَن يَسوقُ الظُلمَ لا مَن يُظلَمُ

هُوَ حاكِمٌ يَشقى اليَتيمُ بِعَهدِهِ … جَوراً وَمِن خُبزِ اليَتامى يُطعَمُ

الخَزُّ يُنكَرُ إِن أَتى بِنَصيحَةٍ … وَالعَنكَبوتُ إِذا تَثَعلَبَ يُكرَمُ

يُعطيكَ مِن طَرَفِ اللِسانِ حَلاوَةً … وَيَروغُ مِنكَ كَما يَروغُ الأَرقَمُ

كُلُّ اِمرىءٍ شَطرانِ في سُلطانِهِ … رَأسٌ لَهُ يُحنى وَقَلبٌ يُشتَمُ

في كُلِّ مَأدُبَةٍ يَسيلُ لُعابُهُ … كَالهِرِّ يُؤمَنُ شَرُّهُ إِذ يُلقَمُ

عَسَلُ الزَبيبِ يَسيلُ مِن أَحداقِهِ … وَعَلى سَريرَتِهِ يَجِفُّ الحِصرِمُ

يَخشى لِضَعفِ يَقينِهِ هَمسَ الصَدى … وَيَرى الشفاهَ كَأَنَّها تَتَهَكَّمُ

وَلَهُ مِنَ الأَبوابِ أَنظارٌ تَرى … وَمِنَ السُقوفِ مَسامِعٌ تَتَفَهَّمُ

يا حاكِماً في أَيِّ يَومٍ تَستَحي … أَوَلَستَ تَدري كَيفَ أَنتَ وَتَعلَمُ

هُوَ مُرشِدٌ خُبزُ السَماءِ طَعامُهُ … يُصغي إِلى أَسرارِها فَيُتَرجِمُ

سُوَرُ التَقى تُتلى عَلى فَمِهِ وَفي … وِجدانِهِ الهاري تَفُحُّ جَهَنَّمُ

الدينُ حانوتٌ يَبيعُ بِهِ الرَجا … وَاللَهُ نَهبٌ في حِماهُ مُقَسَّمُ

وَلَهُ كَلامٌ في السِياسَةِ فاصِلٌ … خَطَأُ الشَرائِعِ أَن يُعابَ فَتُرجَمُ

أَأَبا اليَتامى وَالحَياةُ قَصيرَةٌ … ماذا يُعَلِّمُكَ اليَتيمُ الأَعظَمُ

لَكَ في الجَحيمِ مَتى تَهِمُّ إِلى السَما … في كُلِّ إِسطَبلٍ يُحَمحِمُ مِرجَمُ

هُوَ عاشِقٌ لَم يَدرِ شِيَمُ الهَوى … فَإِذا أَحَسَّ فَعِرقُهُ المُتَأَثِّمُ

روحٌ مُهَرَّأَةٌ وَلَحمٌ جائِعٌ … وَفَمٌ يَنِمُّ وَمُقلَةٌ تَتَضَرَّمُ

ما بَينَ غَدرَتِهِ وَبَينَ يَمينِهِ … إِلّا تَسَلُّفُ حاجَةٍ تَتَكَتَّمُ

فَحَذارِ مِن جُرحِ الهَوى فَجِراحُهُ … يَبقى الأَذى فيها وَيَفنى المَرهَمُ

تَاللَهِ عَصرُكَ يا جَميلُ فَعَصرُنا … فيهِ رُقِيٌّ لِلهَوى وَتَقَدُّمُ

الفاجِرُ الزَنديقُ فَحلٌ راشِدٌ … وَالعاشِقُ العُذرِيُّ أَبلَهُ مُسقَمُ

يا بُثنُ كَم يَحلو زَمانُكِ حينَما … تَصفو لَنا لَيلى وَتَغدُرُ مَريَمُ

ماذا عَسى الواشونَ أَن يَتَحَدَّثوا … إِلّا يَقولوا إِنَّهُ بِكِ مُغرَمُ

هُوَ تاجِرٌ أَدنى وَأَبخَسُ سِلعَةٍ … وِجدانُهُ يُعطيهِ لا يَتَلَعثَمُ

حَجَرٌ تَحَجَّرَتِ العُيونُ بِعَينِهِ … فَالناسُ نَقدٌ وَالمَصائِبُ أَسهُمُ

حَتّى دُموعُ البائِسينَ شَهِيَّةٌ … في قَلبِهِ إِن كانَ فيها مَغنَمُ

يا تاجِراً تَعلو بِهِ أَسعارُهُ … مِقدارَ ما يَدنى الضَميرُ المُجرِمُ

سَتَذوبُ في الدُنيا كَأَنَّكَ تَركَةٌ … بِيَدِ المُبَذِّرِ أَو كَأَنَّكَ دِرهَمُ

هُوَ شاعِرٌ إِن لَم يَذُق أَلَمَ الهَوى … يَكفيكَ مِنهُ أَحرُفٌ تَتَأَلَّمُ

ما الشِعرُ إِلّا حِليَةٌ بَرّاقَةٌ … خَزَفٌ يَغُرُّكَ أَو زُجاجٌ يوهِمُ

صُوَرُ الحَياةِ كَثيرَةٌ أَلوانُها … وَأَحَبُّها ما قَد حَواهُ المُعجَمُ

إِنَّ اليَتامى مَن يَمُجُّهُمُ الوَرى … لَيسَ اليَتامى مَن يَضُمُّ المَيتَمُ