مُلِّيَ النورَ قَبلَ عَهدِ البُدورِ – الياس أبو شبكة
مُلِّيَ النورَ قَبلَ عَهدِ البُدورِ … فَهوَ شطرٌ مِنَ الضِياءِ الكَبيرِ
أَطلَعَ اللَهُ في الحَياةِ رِجالاً … غَمَروا لُجَّةَ الظَلامِ بِنورِ
هُم بُدورُ الأَجيالِ هُمُ شُعراءُ ال … أَرضِ هُم كَهرَباءُ هذا الأَثيرِ
كُلَّما ذَرَ شاعِرٌ في سَماءٍ … شَعَرَ اللَيلُ بِاِنقِلابٍ خَطيرِ
إِنَّما الشاعِرُ الحَقيقِيُّ يَشقى … بمُجاجاتِ زَيتِهِ المَنذورِ
كَالمَناراتِ تَبعَثُ النورَ في اللي … لِ وَتَشقى في الشاطىءِ المَهجورِ
أَو دُخان مِنَ المَجامِرِ يَرقى … حامِلاً لِلنُفوسِ عِطرَ البَخورِ
هُوَ مِن نَزوَةِ النُبوغِ أَذانٌ … أَن يَرى البُؤسُ شُعلَةً في الصُدورِ
وَقَضاءٌ لِلعَبقَرِيَّةِ أَلّا … يَبسِمَ المَجدُ في جَناحِ النُسورِ
هكَذا الحِكمَةُ الخَفِيَّةُ شاءَت … فَهيَ تُخفي أَقباسَها في الضَميرِ
تَمنَعُ النورَ عَن عُيونِ السلاطِ … ينِ وَتُعطيهِ لِلعَرّي الضَريرِ
أَوحَشَ الرَوضُ في الخَريفِ فَلا تَس … معُ فيهِ أُغرودَةً لِلطُيورِ
وَالزُهورُ الَّتي تَنَشَّقتَ رَيّا … ها تَخَلَّت عَن خِدرِها لِلصُحورِ
وَسُقوطُ الأَوراقِ يَسلَخُ في الفَج … رِ بَقايا الآمالِ في المَصدورِ
أَينَ تِلكَ الزُهورُ يَنفَرِطُ الصَب … حُ عَلَيها بِاللُؤلُؤِ المَنشورِ
يَذبُلُ الزَهرُ في الخَريفِ وَيُنقي … لِبُذورِ الرَبيعِ بَعضَ عُطورِ
هكَذا الشاعِرُ المُحَلِّقُ إِذ يَم … ضي وَتَبقى آثارُهُ لِلدُهورِ
لَم يَمُت شاعِرُ اللَيالي فَعَينا … هُ تَشعّانِ في الكِتابِ الصَغيرِ
رُبَّ سِفرٍ أَضاسَ هَيكَلَ نورٍ … خَلَدَت فيهِ مُقلَتا شِكسبيرِ
رُبَّ سِفرٍ مَحا قُصورَ الدهاقي … نِ وَأَعلى بِالمَجدِ كوخَ الفَقيرِ
لا يَموتُ الفَيّاضُ وَالشِعرُ حَيٌّ … وَعَلى البُؤسِ بَسمَةٌ لِلثُغورِ
وَعَلى مَحجَرِ اليَتيمِ مِنَ القَلبِ … دِماءٌ مَحمومَةٌ بِالزَفيرِ
وقُلوبُ الشَبابِ تَنبِضُ لِلحُ … بِّ وَتَأوي إِلى عَذارى الخُدورِ
لا يَموتُ الفَيّاضُ ما دامَت الأَر … واحُ تَهتَزُّ لاِختِلاجِ الصَريرِ
وَجَمالُ الأَفكارِ مِن مُحرِقاتِ ال … قَلبِ يَمتَدُّ في شُعاعٍ طَهورِ
وَالسَماعُ الطافي عَلى وَتَرِ الشِع … رِ يُشيرُ الهَوى بِمُردٍ وَحورِ
يا خَيالاً في الصُبحِ خَدَّرَ أَجفا … ني وَنوراً في اللَيلِ كانَ سَميري
قُل لَهُم أَستَريحُ في قُصرِيَ المَم … لوكِ مِن بُؤسِ بَيتيَ المَأجورِ
رَبحَ السَيفُ فانِياتِ القَضايا … وَمَلَكتُ العُلى بِبَعضِ سُطورِ
مَلَكٌ في جُجُنَّتي يَتَمَنّى … مَبسِمُ الفَجرِ لَو يَكونُ سَفيري
دَولَتي بِالخُلودِ نيطَت لِأَنّي … لَم أَشِدها بِالعاجِ وَالبِرفيرِ
قُل لَهُم نِمتُ في الحَياةِ عَلى الشَو … كِ مِراراً وَمَرَّةً في سَريري
إِنَّ مَوتي عَلى الربابِ رُقادٌ … يَنتَهي بي إِلى صَباحٍ مُنيرِ
يَرقُدُ الشاعِرُ الكَبيرُ مِراراً … إِنَّما السِرُّ في الرِقادِ الأَخيرِ
قُل لَهُم تَحطِمونَ في الأَرضِ كَأسي … وَبِمَوتي تُقَدِّسونَ خُموري
عَقَّ زَهري الوَرى وَقَد يَتَمَنّى … قَطرَةً لِلنُّفوسِ مِن إِكسيري
زَهَرُ المَجدِ لا يُفَتَّحُ لِلشّ … اعِرِ إِلّا عَلى ضِفافِ القُبورِ
نَم قَريراً فَسَوفَ يَأتي صَباحٌ … يَمهُدُ الروحُ لاِنقِلابٍ كَبيرِ
وَغُصونُ الخَريفِ لا بُدَّ أَن تُم … سي غُصونَ الرَبيعِ بَعدَ شُهورِ