ثورة الوجدان – محمد مهدي الجواهري

سَكَتُّ حتَّى شَكَتَنْي غُرُّ أشعاري … واليومَ أنطِقُ حُرّاً غيرَ مهذارِ

سلَّطتُ عقلي على مَيلي وعاطفتي … صَبْراً كما سَلَّطُوا ماءً على نار

ثُرْ يا شُعورُ على ضَيْمٍ تُكابدُهُ … أوْلا فلستَ على شيءٍ بِثَوَّار

وقَّعْتُ أُنشودتي والحزنُ يملُؤها … مَهابَةً ونياطُ القلبِ أوتاري

في ذمَّةِ الشِّعْرِ ما ألقى وأعظَمُهُ … أنّي أُغنّي لِأصْنامٍ وأحجار

الشعبُ شعبي وإنْ لم يرضَ منتبذٌ … والدارُ رغمَ ” دخيلٍ ” عابَني داري

لَوْ في يدي لحَبَسْتُ الغيثَ عن وطَنٍ … مُسْتَسْلِمٍ وقَطعتُ السلسلَ الجاري

ما عابَني غير أنّي لا أمُدُّ يداً … إلى دنيءٍ وأنّي غيرُ خوّار

العُذْرُ يا وطناً أغليتُ قِيمَتَهُ … عَنْ أنْ يُرى سِلعةً للبائعِ الشَّاري

الكُلُّ لاهونَ عن شكوى وموجدَةٍ … بما لَهُمْ مِن لُباناتٍ وأوطار

وكيفَ يُسْمَعُ صوتُ الحقِّ في بلدٍ … للإفكِ والزُّورِ فيه ألفُ مِزمار

يا أيُها السائحُ المُجتازُ أوديةً … مشى الربيعُ عليها مشىَ جبَّار

مَرَّ النسيمُ على أكنافها فَذكَتْ … كأنما جُرَّ فيها ذَيْلُ مِعطار

مَحِّصْ بِعينَيْ نزيهٍ غير ذي غَرَضٍ … حالَ العراقِ وخلِّدهُ بأسفار

إن القصورَ التي شاهَدْتَ ، قائمةٌ … على أساسٍ من الإجحافِ مُنهار

خَلِّ الخُوانَ وإنْ راقَتْ مَطاعمُهُ … وبتْ بليلةٍ ذاكَ الجائعِ العاري

وانظُر إلى الكوخِ قد بِيعتْ دعائمُهُ … وحَوَّلُوها لأقراطٍ وأسوار

واخشَ الدخيلَ فلا تَمدُدْ إليه يَداً … فانَّه ايُّ نَفّاع وضَرّار

صرف الدراهمِ باعوا واشتَرَوا وطني … فكلُّ عشرةِ أميال بدينار

وطغمةٍ من دُعاةِ السُوء ساقطةٍ … ليسَتْ بِشَوكٍ إذا عُدَّتْ ولا غار

تروي وتَظْمأُ لا تَلوي على نَصَفٍ … ولم تُوَكَّلْ بايرادٍ وإصدار

في كُلِّ يومٍ بأشكالٍ وأنمطِةٍ … وكُلِّ آنٍ بهيئاتٍ وأطوار

مأجورةٍ لم تَقُمْ يوماً ولا قعَدَتْ … إلاَّ على هَتْكِ أعراضٍ وأستار

عَوَتْ فجاوَبَها أمثالُها هَمَجٌ … مِنْ كلِّ مستصرَخٍ لِلغَيِّ نَعَّار

يُحصونَ تاريخَ أقوامٍ وعندهمُ … صحائفٌ مُلِئَتْ بالخزيِ والعار

لَجّوا على أنْ يزيدوا كلَّ ثائرةٍ … تسعيرةً وأصروُّا كلَّ إصرار

أينَ المساميحُ بالأرواحِ إنْ عَصَفَتْ … هوجاءُ تُنْذِرُ أوطاناً باعصار

يا للرَّجال لأوطانٍ مُوَزَّعةٍ … في كفِّ مُهانِ النفسِ دَعَّار

شَلَّتْ يدٌ عبِثتْ في أُختِها وكَبَتْ … رِجلٌ إلى نفسِها تسعى باضرار

ماذا السُكونُ الا تَهتاجُ نخوتَكُمْ … انَّ العُروبةَ قد خُفَّتْ بأخطار