تَذَكَّرَ عَهداً بالحمى قَد تَقَدَّما – عبدالغفار الأخرس

تَذَكَّرَ عَهداً بالحمى قَد تَقَدَّما … فأجرى عليه الدَّمعَ فرداً وتوأما

ولاسيما إذ شاهد الربع لم يدع … له أهله إلاّ تلالاً وأرسما

وآثار ما أبقى الخليط بعهده … ونؤياً كمعوجِ السّوار مهدَّما

منازل كانت للبدور منازلاً … وإنْ شئتَ قل كانت محاريب للدمى

لهونا بها والعيش إذ ذاك ناعم … فلّله عيشٌ ما ألذَّ وأنعما

زمان مضى في طاعة الحب وانقضى … وصلنا به الّلذات حتّى تصرَّما

خَليليَّ عُوجا بي على الدار إنّني … أشدُّ بلاءاً بالمنازل منكما

خليليَّ هذا الحبّ ما تعرفانه … خَليليَّ لو شاهدْتُما لعرفتما

خَليليَّ رِفقاً بي فقد ضرّني الهوى … ألمْ موجعَ القلب مؤلما

ونمَّتْ على وجدي دموعٌ أرقتها … ولم يبق هذا الدمع سرّاً مكتما

فلا تمنعاني وقفة ً أنَا سائل … بها الدارَ عن حيّ نأى أين يممَّا

وَقَفْنا عليها يا هذيم وكلّنا … حريصٌ على الأطلال أنْ تتكلما

نعالج فيها لوعة ً بحشاشة ٍ … على الرسم منّا نمزج الدمع بالدما

فلم نرتحل يوماً لنسقي معاهداً … من الدار في سلع وفي الدار من ظما

بعبرة مشتاق إذا لم تجد لها … من الدمع ما يروي اتلديار بكت دما

أحِبّاءَنا شَطَّتْ بهم شطط النوى … فأتبعتهم منّي فؤاداً متّيما

هبوا لعيوني أنْ يحلَّ بها الكرى … وإنْ كان نومُ العاشقين محرّما

أَلا رُبَّ طَيْف زَارَ ممَن احِبُّه … وما زار إلاّ من سليمى وسلَّما

سرى من زرود منعماً بوصاله … وما كان إلاّ في الحقيقة منعما

فأرَّقني والليلُ يسحبُ ذيله … وفارق صبّاً لا يزال متيما

وبرقٍ كنار الشوق توقد بالحشا … تلهَّبَ في جنح الدجى وتضرّما

بليلٍ كحظّي منه قطَّبَ وجهه … فما زلتُ أبكي فيه حتى تبسّما

أساهرُ فيه كل نجم يمرُّ بي … إلى أعين باتت عن الصبّ نوَّما

سقى الله أيّاماً خَلوْنَ حوالياً … على الجزع بالجرعاء من أَيْمَنِ الحمى

ولا بِدْعَ أنْ يسمو وها قد سما … رواء إذا ما ساقها الرعد أرزما

كراحة عبد القادر القرم لم تزل … تهامي على العافين فضلا وأنعما

يصبّ الحيا في صَوْبه مثل سَيْبهِ … كأنْ علمَ الغيثَ الندى فتعلّما

إذا جئتُه مسترفداً رِفْدَ فضله … غَدَوْتُ إذَنْ في ماله متحكما

وَرَدْتُ نداه ظامئاً غير أنَّني … وردتُ إليه البحر والبرح قد طمى

ولولا جميل الصنع منه لما رأَتْ … عيوني وجه العيش إلاّ مذمما

من القوم يولون الجميل تَفَضُّلاً … ولم يحسنوا الإحسان إلاّ تكرّما

أطرتُ لديه طائرَ اليمن أسعداً … وكنّا أطرنا طائر النحس أشأما

ودَّخرِ الذكر الحميد بفضله … ولم يدَّخرْ يوماً من المال درهما

رأيتُ يَساري كلَّما كان موسراً … ولم يرض إعدامي إذا كان معدما

فما يجمع الأموال إلاّ لبذلها … ولا يطلب النعماء إلاّ لينعما

برغم الأعادي نال همَّة نائل … فجدَّعَ آناف العداة وأَرْغما

ولو رام أنْ يرقى إلى النجم لأرتقى … ويوشك ربّ الفضل أنْ يبلغ السما

عزائِمُهُ كالمَشْرِفيَّة ِ والظُّبا … وآراؤه ما زِلْنَ بالخَطب أَنْجُما

يُصيبُ بها الأغراض ممّا يرومه … ولا يخطىء ُ المرمى البعيدَ إذا رمى

وكم من خميسٍ قد رماه عرمرم … فقرَّقَ بالرأي الخميسَ العرمرما

فلو أَبْرَزَتْ آراؤه غَسَقَ الدجى … لحثّ الدجى عن أشقر الصبح أدهما

وأَثْقَلَ بالأيدي لساني وعاتقي … أَلَمْ تَرَني لا أستطيع التكلما

وإنّي وإنْ لم أقضِ للشكر واجباً … بمستغرم أصبحت في المجد مغرما

سكتُّ وأنطقت اليراع لشكره … فأعربَ عما في ضميري وترجما

جرى وكذا لا زال يجري بمدحه … فغرَّدَفي مدحي له وترنّما

وأوْلى الورى بالشكر من كان محسناً … وأوْلى الورى بالحمد من كان منعما

لك الله مطبوع على الجود والندى … فلو رام إقداماً على البخل أحجما

شكرتك شكر الروض باكره الحيا … سحاباً عليه آنهلَّ بالجود أو همى

لك القلم العالي على البيض والقنا … جرى فجرى رزقُ العباد مقسّما

ففي القلم الحادي وصاحبه النهى … عَلَوْتَ به حتى ظننّاه سُلّما

وسيَّرتَ ذكرَ الحمد في كلّ منزلٍ … فأَنْجَدَ في شرق البلاد وأَتْهَما

أضاءَ بكَ الأيامَ لي وتبلَّجتْ … وأشْرَق فجرٌ بعدما كان مظلما

رفعتَ مقامي مرغماً أَنْفَ حاسدي … فأَصْبحتُ إذ ذاك العزيزَ المكرّما

صفا لي منك الجود عذبٌ غديره … فجَّرعْتُ أعدائي من الغيظ علقما

أطلتَ يدي في كلّ أمرٍ طلبته … وغادرتَ شاني عبدِ نعماكِ أجذما

وبلَّغتني أقصى الرجاء فلم أَقُلْ … عسى أبلغُ القصدَ القصيٍّ وربّما

وعظَّمتني في نفس كلِّ معاند … فلا زِلْتَ في نفس المعالي مُعَظَّما