أَلا من لأجفانٍ أَرَقْنَ رواء – عبدالغفار الأخرس

أَلا من لأجفانٍ أَرَقْنَ رواء … وحَرِّ قلوبٍ يا هذيم ظماءِ

صوادٍ إلى يردِ الثغور التي بها … إذا كان دائي كان ثم دوائي

وصحْبٍ أحالوا الوصل هجراً وأعقبوا … تدانيهمُ في صدّهم بجفاء

نأوا فحنيني لا يزال إليهم … ويا ويحَ دانٍ يحنُّ لنائي

أجبراننا لما جفوتم وبنتمُ … ولم تمنحونا مرة ً بلقاء

عرفت بعهد الود في الحب غدركم … وأَنْتُم عَرَفْتُم في الغرام وفائي

وجدتّث بروحي ذمة ً وبخلتمُ … كذلك إشفاقي وحسن بلائي

وفيكم ومنكم قبلها وعليكم … نبذت كلام العاذلين ورائي

حلالاً لكم منّي دمٌ طلَّه الهوى … ولا صانه قومي إذنْ بفداء

أعيدوا علينا ساعة الوصل إنّها … لأَقصى مرامي منكم ومنائي

سقام بكم لا في سواكم وجدته … فجودوا على مضناكم بشفاء

فإنْ لم تعودوني ولو بخيالكم … فلا تطعموا من بعدها ببقائي

أَحِبَّتَنا لم تُنْصِفونا بحبّكم … وما هكذا لو تتصفون جزائي

ذكرناكمُ والدَّمع ماءً نريقه … فشبناه في ذكراكمُ بدماء

فمن لوعة تصلى بنيرانها الحشا … ومهجة قلب آذَنَتْ بفناء

توالى عليها حرقة الوجد والأسى … فلم يبقِ منها الحبُّ غير ذماء

ويا سعدُ لا تلح أخاك وقد مضى … به سهمُ راميه أشَّد مضاء

صريع العيون النجل ما إنْ رَمَيْنَه … صريع الهوى والوجد والبرحاء

قتيل الهوى العذريِّ قد فتكتبه … قدودُ غصونٍ أو لحاظُ ظباء

كأنّي به يستيقظ الحتفُ راقداً … إذا شام برقاً لاح بعد خفاء

ولم يتبسَّمْ ذلك البرق منهم … لعمرك إلاّ جالباً لبكائي

فما لك تلحوني على ما أصابَني … من الداء جهلاً، لا بليتَ بدائي

دعوتك تستمري الدموع لما أرى … فَلَمْ تَسْتَجِبْ يومَ الغميم دعائي

وهذا هذيم كلّما كرّ طِرفُه … إلى مربعٍ بالرقميتن خلاء

تذكر أياماً بهنَّ قصيرة … يطول عليها شقوتي وعنائي

فأَرسَلَها مهراقة ً وهي عبرة … ترقرق يرقيها بفضل رداء

خليليَّ إنْ تسعداني على الهوى … فأَينَ ودادي منكما وإخائي

ويا سعد إنّي قد منيتُ وراعني … نوى ً جدَّ البين من خلطائي

فما للمطايا بين جدٍّ ولوعة ٍ … وبين حنينٍ مزعجٍ ورغاء

بربِّكَ حثحثها وخذْ بزمانها … وسِرْ سيرَ لا وانٍ ولا ببطاء

إلى منزل لا يعرفُ الضِّيمَ اهلهُ … ولا خاب من وافاهم برجاء

يحلُّ به عبد الغنيّ فلا الغنى … إذا ما دنا الإملاق منك بناءِ

ربيع الندى لا يبرح الفضل فضله … يطيبُ مصيفي عنده وشتائي

ألا لا سقتْني غيرَ راحته الحيا … فتورثُ صوبَ المزن فرط حياء

صفا العيش لي منها وطاب ولم يزل … يروقُ ولم يكدرْ عَلَيَّ صفائي

ولم يَرْوِ إلاّ عنه دام علاؤه … رواية مجد باذخٍ وعلاء

مناقب تزهو بالمكارم كلُّها … وتشرقُ من أنواره بوضاء

ولا كرياض الجزع وهي أنيقة … وتفضلها في بهجة وبهاء

تأرَّجُ أنفاس النسيم بطيبها … كما نسمت ريح الصبا بكباء

أخو العرفات الماضيات فما دجا … دجى الخطب إلاّ جاء بابن ذكاء

طربنا وأطربنا الأنام بمدحه … فهلْ ديرت الصهباء للندماء

ورحنا نجرّ الذيل بالفخر كلما … ذكرناه في الأَشراف والعلماء

غذاءٌ لروحي مَدْحُهُ وثناؤه … وإنَّ أحاديثَ الكرام غذائي

له الله موقي من يلوذ بعزّه … به من صُروف النائبات وقائي

فمن شدَّة ٍ فيه ومن لينِ جانبٍ … ومن كرم في طبعه وسخاء

وما خفيتْ تلك المزايا وإنّما … تلوحُ كما لاح الصّباح لرائي

مواهب أعطى الله ذاتك ذاتها … وحسبك من معطٍ لها وعطاء

بها رحت أجني العزَّ من ثمراته … ويخفق بين الأَنجبين لوائي

عليك إذا أثنيت بالخير كلّه … تقبَّل أبا محمود حسنَ ثنائي

رأيتُ القوافي فيك تزداد رونقاً … ولو أنّها كانت نجوم سماء

ولم أرَ مثل الشعر أصدقَ لهجة ً … إذا قال فيك القولَ غير مرائي

غنيٌّ عن الدنيا جميعاً وأهلها … سواك وفيه ثروتي وغنائي

فقيرٌ إلى جدواك في كل حالة … وانّك تدري عفَّتي وإبائي