بشرى النبوءة – عبدالله البردوني

بشرى من الغيب ألقت في فم الغار … وحيا و أفضت إلى الدنيا بأسرار

بشرى النبوّة طافت كالشذى سحرا … و أعلنت في الربى ميلاد أنوار

و شقّت الصمت و الأنسام تحملها … تحت السكينه من دار إلى دار

و هدهدت ” مكّة ” الوسنى أناملها … و هزّت الفجر إيذانا بإسفار

فأقبل الفجر من خلف التلال و في … عينيه أسرار عشاق و سمار

كأنّ فيض السنى في كلّ رابية … موج و في كلّ سفح جدول جاري

تدافع الفجر في الدنيا يزفّ إلى … تاريخها فجر أجيال و أدهار

واستقبل الفتحُ طفلا في تبسّمِه … آياتُ بشرى و إيماءاتُ إنذار

و شبّ طفل الهدى المنشود متّزرا … بالحقّ متّشحا بالنور و النار

في كفّه شعلة تهدي و في فمه … بشرى و في عينه إصرار أقدار

و في ملامحه وعد و في دمه … بطولة تتحدّى كلّ جبّار

و فاض بالنور فاغتم الطغاة به … و اللّصّ يخشى سطوع الكوكب الساري

و الوعي كالنور يخزي الظالمين كما … يخزي لصوص الدجى إشراق أقمار

نادى الرسول نداء العدل فاحتشدت … كتائب الجور تنضي كلّ بتّار

كأنّها خلفه نار مجنّحة … تعدو وقدّامه أفواج إعصار

فضجّ بالحقّ و الدنيا بما رحبت … تهوي عليه بأشداق و أظفار

و سار و الدرب أحقاد مسلّخة … كأنّ في كلّ شبر ضيغما ضاري

وهبّ في دربه المرسوم مندفعا … كالدهر يقذف أخطار بأخطار

فأدبر الظلم يلقي ها هنا أجلا … و ها هنا يتلقّى كفّ … حفّار

و الظلم مهما احتمت بالبطش عصبته … فلم تطق وقفة في وجه تيّار

رأى اليتيم أبو الأيتام غايته … قصوى فشقّ إليها كلّ مضمار

وامتدّت الملّة السمحا يرفّ على … جبينها تاج إعظام و إكبار

مضى إلى الفتح لا بغيا و لا طمعا … لكنّ حنانا و تطهيرا لأوزار

فأنزل الجور قبرا وابتنى زمنا … عدلا … تدبّره أفكار أحرار

يا قاتل الظلم صالت هاهنا و هنا … فظايع أين منها زندك الواري

أرض الجنوب دياري و هي مهد أبي … تئنّ ما بين سفّاح و سمسار

يشدّها قيد سجّان و ينهشها … سوط … ويحدو خطاها صوت خمّار

تعطي القياد وزيرا و هو متّجر … بجوعها فهو فيها البايع الشاري

فكيف لانت لجلّاد الحمى ” عدن ” … و كيف ساس حماها غدر فجّار ؟

وقادها وعماء لا يبرّهم … فعل و أقوالهم أقوال أبرار

أشباه ناس و خيرات البلاد لهم … يا للرجال و شعب جائع عاري

أشباه ناس دنانير البلاد لهم … ووزنهم لا يساوي ربع دينار

و لا يصونون عند الغدر أنفسهم … فهل يصونون عهد الصحب و الجار

ترى شخوصهم رسميّة و ترى … أطماعهم في الحمى أطماع تجّار

أكاد أسخر منهم ثمّ تضحكني … دعواهم أنّهم أصحاب أفكار

يبنون بالظلم دورا كي نمجّدهم … و مجدهم رجس أخشاب و أحجار

لا تخبر الشعب عنهم إنّ أعينه … ترى فظائعهم من خلف أستار

الآكلون جراح الشعب تخبرنا … ثيابهم أنّهم آلات أشرار

ثيابهم رشوة تنبي مظاهرها … بأنّها دمع أكباد و أـبصار

يشرون بالذلّ ألقابا تستّرهم … لكنّهم يسترون العار بالعار

تحسّهم في يد المستعمرين كما … تحسّ مسبحة في كفّ سحّار

ويل وويل لأعداء البلاد إذا … ضجّ السكون وهبّت غضبة الثار

فليغنم الجور إقبال الزمان له … فإنّ إقباله إنذار إدبار

و الناس شرّ و أخيار و شرّهم … منافق يتزيّا زيّ أخيار

و أضيع الناس شعب بات يحرسه … لصّ تستره أثواب أحبار

في ثغره لغة الحاني بأمّته … و في يديه لها سكّين جزّار

حقد الشعوب براكين مسمّمة … وقودها كلّ خوّان و غدّار

من كلّ محتقر للشعب صورته … رسم الخيانات أو تمثال أقذار

و جثّة شوّش التعطير جيفتها … كأنّها ميته في ثوب عطّار

بين الجنوب و بين العابثين به … يوم يحنّ إليه يوم ” ذي قار “

يا خاتم الرسل هذا يومك انبعثت … ذكراه كالفجر في أحضان أنهار

يا صاحب المبدأ الأعلى ، و هل حملت … رسالة الحقّ إلاّ روح مختار ؟

أعلى المباديء ما صاغت لحاملها … من الهدى و الضحايا نصب تذكار

فكيف نذكر أشخاصا مبادئهم … مباديء الذئب في إقدامه الضاري ؟

يبدون للشعب أحبابا و بينهم … و الشعب ما بين طبع الهرّ و الفار

مالي أغنّيك يا ” طه ” و في نغمي … دمع و في خاطري أحقاد ثوّار ؟

تململت كبرياء الجرح فانتزفت … حقدي على الجور من أغوار أغواري

يا ” أحمد النور ” عفوا إن ثأرت ففي … صدري جحيم تشظّت بين أشعاري

” طه ” إذا ثار إنشادي فإنّ أبي … ” حسّان ” أخباره في الشعر أخباري

أنا ابن أنصارك الغرّ الألى قذفوا … جيش الطغاة بجيش منك جرّار

تظافرت في الفدى حوليك أنفسهم … كأنّهنّ قلاع خلف أسوار

نحن اليمانين يا ” طه ” تطير بنا … إلى روابي العلا أرواح أنصار

إذا تذكّرت ” عمّارا ” و مبدأه … فافخر بنا : إنّنا أحفاد ” عمّار “

” طه ” إليك صلاة الشعر ترفعها … روحي و تعزفها أوتار قيثار