السجينة – إيليا أبو ماضي

لعمرك ما حزني لمال فقدته … ولا خان عهدي في الحياة حبيب

ولكنّني أبكي وأندب زهرة … جناها ولوع بالزهور لعوب

رآها يحلّ الفجر عقد جفونها … ويلقي عليها تبره فيذوب

وينقض عن أعطافها النور لؤلؤا … من الطلّ ما ضمت عليه جيوب

فعالجها حتى استوت في يمينه … وعاد إلى مغناه وهو طروب

وشاء فأمست في الإناء سجينة … لتشبع منها أعين وقلوب

ثوت بين جدران كقلب مضيمها … تلّمس فيها منفذا فتخيب

فليست تحيي الشمس عند شروقها … وليست تحيي الشمس حين تغيب

ومن عصيت عيناه فالوقت كلّه … لديه ، وإن لاح الصباح ، غروب

لها الحجرة الحسناء في القصر إنما … أحب إليها روضة وكثيب

وأجمل من نور المصابيح عندها … حباحب تمضي في الدجى وتؤوب

ومن فتيات القصر يرقص حولها … على نغمات كلهنّّ عجيب

تراقص أغصان الحديقة بكرة … وللريح فيها جيئة وذهوب

وأجمل منهنّ الفراشات في الضحى … لها كالأماني سكنة ووثوب

وأبهى من الديباج والخزّ عندها … فراشٌ من العشب الخضيل رطيب

وأحلى من السقف المزخرف بالدمى … فضاءٌ تشعّ الشهب فيه رحيب

تحنّ إلى مرأى الغدير وصوته … وتحرم منه ، والغدير قريب

وليس لها للبؤس في نسم الرّبى … نصيب ، ولم يسكن لهنّ هبوب

إذا سقيت زادت ذبولا كأنما … يرشّ عليها في المياه لهيب

وكانت قليل الطلّ ينعش روحها … وكانت بميسور الشّعاع تطيب

بها من أنوف الناشقين توعّك … ومن نظرات الفاسقين ندوب

تمشّى الضنى فيها وأيار في الحمى … وجفّت وسربال الربيع قشيب

ففيها كمقطوع الوريدين صفرة … وفيها كمصباح البخيل شحوب

أيا زهرة الوادي الكئيبة إنني … حزين لما صرت إليه كئيب

وأكثر خوفي أن تظني بني الورى … سواء، وهم مثل النبات ضروب

وأعظم حزني أنّ خطبّك بعده … مصائب شتّى لم تقع وخطوب

سيطرحك الإنسان خارج داره … إذا لم يكن فيك العشية طيب

فتمسين للأقذار فيك ملاعب … وفي صفحتك للنعال ضروب

إسارك، يا أخت الرياحين ، مفجع … وموتك، يا بنت الربيع ، رهيب

ولكنها الدنيا، ولكنه القضا … وهذا، لعمري ، مثل تلك غريب

فكم شقيت في ذي الحياة فضائل … وكم نعمت في ذي الحياة عيوب

وكم شيم حسناء عاشت كأنها … مساوىء يخشى شرّها وذنوب