like-empty

كلمات

klmat.com

sun

الدمعة الخرساء

سمعت عويل النائحات عشية ... في الحيّ يبتعث الأسى و يثير

يبكين في جنح الظلام صبيّة ... إنّ البكاء على الشباب مرير

فتجهّمت و تلفّتت مرتاعة ... كالظبي أيقن أنّه مأسور

و تحيّرت في مقلتيها دمعة ... خرساء لا تهمي و ليس تغور

فكأنّها بطل تكنّفه العدى ... بسيوفهم و حسامه مكسور

و جمت ، فأمسى كلّ شيء واجما ... ألنور ، و الأظلال ، و الديجور

ألكون أجمع ذاهل لذهولها ... حتى كأنّ الأرض ليس تدور

لا شيء ممّا حولنا و أمامنا ... حسن لديها و الجمال كثير

سكت الغدير كأنّما التحف الثرى ... وسها النسيم كأنّه مذعور

و كأنّما الفلك المنوّر بلقع ... و الأنجم الزهراء فيه قبور

كانت تمازحني و تضحك فانتهى ... دور المزاح فضحكها تفكير

قالت وقد سلخ ابتسامتها الأسى : ... صدق الذي قال الحياة غرور

أكذا نموت و تنقضي أحلامنا ... في لحظة ، و إلى التراب نصير ؟

و تموج ديدان الثرى في أكبد ... كانت تموج بها المنى و تمور

خير إذن منّا الألى لم يولدوا ... و من الأنام جلامد و صخور

و من العيون مكاحل و مراود ... و من الشفاه مساحيق و ذرور

و من القلوب الخافقات صبابة ... قصب لوقع الريح فيه صفير

و توقّفت فشعرت بعد حديثها ... أن الوجود مشوّش مبتور

ألصيف ينفث حرّه من حولنا ... و أنا أحسّ كأنّني مقرور

ساقت إلى قلبي الشكوك فنغّصت ... ليلي ، و ليس مع الشكوك سرور

و خشيت أن يغدو مع الرّيب الهوى ... كالرسم لا عطر و فيه زهور

و كدميه المثّال حسن رائع ... ملء العيون و ليس ثمّ شعور

فأجبتها : لتكن لديدان الثرى ... أجسامنا إنّ الجسوم قشور

لا تجزعي فالموت ليس يضيرنا ... فلنا إياب بعده و نشور

إنّا سنبقى بعد أن يمضي الورى ... و يزول هذا العالم المنظور

فالحب نور خالد متجدد ... لا ينطوي إلاّ ليسطع نور

و بنو الهوى أحلامهم ورؤاهم ... لا أعين و مراشف و نحور

فإذا طوتنا الأرض عن أزهارها ... و خلا الدجى منّا و فيه بدور

فسترجعين خميلة معطارة ... أنا في ذراها بلبل مسحور

يشدو لها و يطير في جنباتها ... فتهشّ إذ يشدو و حين يطير

أو جدولا مترقرقا مترنّما ... أنا فيه موج ضاحك و خرير

أو ترجعين فراشة خطّارة ... أنا في جناحيها الضحى الموشور

أو نسمة أنا همسها و حفيفها ... أبدا تطوّف في الذرى و تدور

تغشى الخمائل في الصباح بليلة ... و تؤوب حين تؤوب و هي عبير

أو نلتقي عند الكثيب ، على رضى ... و قناعة ، صفصافة و غدير

تمتدّ فيه و في ثراه عروقها ... و يسيل تحت فروعها و يسير

و يغوص فيه خيالها فيلفه ... و يشفّ فهو المنطوي المنشور

يأوي إذا اشتدّ الهجير إليهما ... ألناسكان : الظبي و العصفور

لهما سكينتها ووارف ظلّها ... و الماء إن عطشا لديه وفير

أعجوبتان زبرجد متهدل ... نام تدفّق تحته البلّور

لا الصبح بينهما يحول و لا الدجى ... فكلاهما بكليهما مغمور

تتعاقب الأيّام و هي نضيره ... مخضرّة الأوراق ، و هو نمير

فالدهر أجمعه لديهما غبطة ... فالدهر أجمعه لديها حبور

فتبسّمت و بدا الرضى في وجهها ... إذ راقها التمثيل و الصوير

عالجتها بالوهم فهي قريرة ... و لكم أفاد الموجع التخدير

ثمّ افترقنا ضاحكين إلى غد ... و الشهب تهمس فوقنا و تشير

هي كالمسافر آب بعد مشقّة ... و أنا كأنّي قائد منصور

لكنّني لمّا أويت لمضجعي ... خشن الفراش عليّ و هو وثير

و إذا سراجي قد وهت و تلجلجت ... أنفاسه فكأنّه المصدور

و أجلت طرفي في الكتاب فلاح لي ... كالرسم مطموسا و فيه سطور

و شربت بنت الكرم أحسب راحتي ... فيها : فطاش الظنّ و التقدير

فكأنّني فلك وهت أمراسها ... و البحر يطغى حولها و يثور

سلب الفؤاد رواه و الجفن الكرى ... همّ عرا ، فكلاهما موتور

حامت على روحي الشكوك كأنّها ... و كأنّهن فريسة و صقور

و لقد لجأت إلى الرجاء فعقّني ... أما الخيال فخائب مدحور

يا ليل أين النور ؟ إنّي تائه ... مر ينبثق ، أم ليس عندك نور ؟

" أكذا نموت و تنقضي أحلامنا ... في لحظة و إلى التراب نصير ؟ "

" خير إذن منّا الألى لم يولدوا ... و من الأنام جنادل و صخور "

like-empty

كلمات إيليا أبو ماضي

جاري التحميل...