إنَّ عهداً لو تعلمانِ ذميما – أبو تمام

إنَّ عهداً لو تعلمانِ ذميما … أَنْ تَنَامَا عَنْ لَيْلَتِي أو تُنِيمَا

كنتُ أرعى البُدُورَ حتَّى إذَا ما … فارَقُوني أمسَيْتُ أرعَى النُّجُومَا

قَدْ مَرَرْنا بالدَّارِ وهْيَ خَلاءٌ … وبكينا طلولها والرسوما

وسألنا ربوعَها فانصرفْنا … بسَقَامٍ وما سَأَلْنا حَكيمَا

أصبَحَتْ رَوْضَة ُ الشبَابِ هَشِيماً … وغدتْ ريحُهُ البليلُ سمومَا

شعلة ٌ في المفارقِ استودعتني … في صَمِيمِ الفُؤَادِ ثُكْلاً صَمِيما

تستثيرُ الهمومُ ما اكتنَّ منها … صعداً وهي تستثيرُ الهموما

غرُّة ٌ بُهمة ٌ ألا إنَّما كنْـ … تُ أَغَرًّا أَيَّامَ كنتُ بهيمَا

دِقَّة ٌ في الحَياة ِ تُدْعَى جَلاَلاً … مثلما سميَ اللديغُ سليما

حَلَّمَتْنِي زعَمتُمُ وأَرَانِي … قبلَ هذا التحليمِ كنتُ حليما

من رأى بارقاً سرى صامتياً … جادَ نجداً سهولَها والحزُومَا؟

يُوسُفِيّاً مُحَمَّدِيّاً حَفِيّاً … بذليلِ الثرى رؤوفاً رحيما

فسقى طيئاً وكلْباً ودودا … نَ وقيْساً ووائِلاً وتَمِيما

لنْ يَنَالَ العُلَى خُصُوصاً مِنَ الفِتْ … يَانِ مَنْ لم يَكُنْ نَدَاهُ عُمُومَا

نشأتْ من يمينه نفخاتٌ … ماعليها أَلاَّ تكونَ عُيُومَا

ألبستْ نجداً الصنائعَ لا شيـ … ـحاً ولا جنبة ً ولا قيصومَا

كَرُمَتْ رَاحَتَاهُ في أَزَمَاتٍ … كانَ صَوْبُ الغَمَامِ فيها لَئيما

لا رُزِيْنَاهُ ما أَلذَّ إذا هُزَّ … وأندى كفاً وأكرمَ خيما

وَجَّهَ العِيسَ وهْيَ عِيسٌ إلى الله … فآلتْ مِثْلَ القِسِي حَطِيما

وأحقُّ الأقوامِ أن يقضي الديـ … ـنَ امرؤٌ كان للإلهِ غريمَا

في طريقٍ قد كانَ قبلُ شراكاً … ثم لمَّا علاهُ صارَ أديما

لمْ يحدِّثْ نفساً بمكة َ حتى … جازتِ الكهفَ خيلهُ والرقيما

حَرَمُ الدينِ زَارَهُ بَعْدَ أَنْ لَمْ … يُبْقِ للكُفْرِ والضَّلاَلِ حَريمَا

حِينَ عَفَّى مَقَامَ إِبليسَ سَامَى … بالمَطَايَا مَقَامَ إبراهيما

حَطَمَ الشرْكَ حَطْمَة ً ذَكَّرَتْهُ … في دُجَى الليل زَمْزَماً والْحَطيمَا

فاضَ فَيْضَ الآتي حتَّى غدَا المَوْ … سمُ من فضلِ سيبهِ موسوما

قد بلونا أبا سعيدٍ حديثاً … وبَلْونا أَبَا سعيدٍ قَديما

ووَرَدْناهُ سَاحِلاً وَقَلِيباً … ورَعَيْنَاهُ بارضاً وجَميما

فَعَلِمْنا أَنْ لَيْسَ إِلاَّ بِشِق النَّـ … ـفس صار الكريمُ يدعى كريما

طلبُ المجدِ يورثُ المرءَ خبلاً … وهُمُوماً تُقَضْقِضُ الحَيْزُومَا

فتَرَاهُ وهْوَ الْخَلِيُّ شَجيّاً … وتراهُ وهوَ الصحيحُ سقيما

تجدُ المجدَ في البرية منثو … راً وتَلْقَاهُ عِنْدَهُ مَنْظُومَا

تيمته العلى فليسَ يعُدُّ الـ … بُؤْسَ بُؤْساً ولا النَّعِيمَ نَعِيمَا

وتؤامُ الندى يري الكرمَ الفا … ردَ في أكثر المواطنِ لومَا

كُلَّما زُرْتُهُ وجَدْتُ لَدَيْهِ … نَسَباً ظاعِناً ومجْداً مُقيما

أجدرُ الناس أن يُرى وهو مغبو … نٌ وهيهاتَ أن يُرى مظلوما

كلُّ حالٍ تَلْقَاهُ فيها ولكنْ … ليس يُلقى في حالة ٍ مذمُوما

وإذا كانَ عارضُ الموتِ سحاً … خَضِلاً بالرَّدَى أجَشَّ هَزِيمَا

في ضِرَامٍ مِنَ الوَغَى واشتِعَالٍ … تحسبُ الجوَّ منهما مهموما

واكتَسَتْ ضَمّرُ الجَيادِ المَذَاكي … من لباسِ الهيجا دماً وحميما

في مَكَرٍّ تَلُوكُها الحَرْبُ فيهِ … وهْيَ مُقْوَرَّة ٌ تَلُوكُ الشَّكيمَا

قمتَ فيها بحجة اللهِ لمَّا … أنْ جعلتَ السيوفَ عنكَ خصوما

فتحَ الله في اللواء لكَ الخا … فقِ يومَ الاثنين فتحاً عظيما

حوَّمَتْه ريحُ الجَنُوبِ ولَنْ يُحْـ … ـمدَ صيدُ الشاهين حتى يحوما

في غَدَاة ٍ مَهْضَوبَة ٍ كان فيها … ناضِرُ الرَّوضِ للسَّحَاب نَدِيمَا

لُينَتْ مُزْنُها فكانتْ رهاماً … وسجتْ ريحُها فكانت نسيما

نعمة ُ اللهِ فيكَ لا أسألُ اللـ … هَ إليْهَا نُعْمَى سِوَى أنْ تَدُومَا

ولو أني فعلتُ كنتُ كمنْ يسـ … ـألهُ وهو قائمٌ أن يقومَا