ألا صنعَ البينُ الذي هو صانعُ – أبو تمام

ألا صنعَ البينُ الذي هو صانعُ … فإنْ تَكُ مِجْزاعاً فما البَيْنُ جازِعُ

هو الربيعُ من اسماءَ والعامُ رابعٌ … لهُ بلوى خبتٍ فهل أنتَ رابعُ

ألا إنَّ صَبْرِي مِنْ عَزائي بَلاقِعٌ … عشيّة َ شاقتني الديارُ البلاقعُ

كأنَّ السَّحَابَ الغُرَّ غَيَّبْنَ تَحتَها … حَبيباً فما تَرْقَا لَهُنَّ مَدَامِعُ

ربى ً شفعت ريحُ الصبا لرياضها … إلى الغيثِ حتى جادها وهو هامعُ

فَوجْهُ الضَّحَى غَدْواً لهنَّ مُضَاحِكٌ … و جنبث الندى ليلاً لهنَّ مضاجع

كساك من الأنوارِ أصفرُ فاقعُ … و ابيضُ نصاعٌ وأحمرُ ساطعُ

لئن كان أمسى شملُ وحشيك جامعاُ … لقد كَانَ لي شَمْلٌ بِأُنْسِكِ جامِعُ

أُسيءُ على الدَّهْرِ الثناءَ فقَدْ قَضَى … عليَّ بجورٍ صرفهُ المتتابعُ

أيرضخنا رضخَ النوى وهو مصمتٌ … و يأكلنا أكل الدبى وهو جائعُ

و إني إذا ألقى بربعيَ رحلهُ … لأُذعِرُهُ في سِرْبِهِ وهْوَ راتِعُ

أبو مَنْزِلِ الهّم الذي لو بَغَى القِرَى … لَدَى حَاتِمٍ لم يُقْرِهِ وهْوَ طائِعُ

اذا شرعت فيهِ الليالي بنكبة ٍ … تمزقن عنهُ وهو بالصبرِ دارعُ

و ان أقدمت يوماُ عليه رزية ٌ … تَلقَّى شَبَاها وهو بالصَّبْرِ دَارِعُ

لهُ هممٌ ما إن تزالُ سيوفها … قواطعَ لو كانت لهنَّ مقاطع

ألا إنَّ نفسَ الشعرِ ماتت وإن يكن … عداها حمامُ الموتُ فهي تنازعُ

سأبكي القوافي بالقوافي فإنها … عليها ولم تَظْلِمْ بِذاك جَوَازِعُ

أراعي مظلاتِ المروءة ِ مهملٌ … وحافِظُ أيَّامِ المَكارِمِ ضَائِعُ 

وعاوٍ عَوَى والمَجْدُ بَيْني وَبينَه … له حَاجِزٌ دُوني ورُكْنٌ مُدَافَعُ

ترقت مناهُ طودَ عزٍ لو ارتقت … بهِ الرّيحُ فِتْراً لانْثَنَتْ وهْيَ ظَالِعُ

أنا ابنُ الذينَ استرضعَ الجودُ فيهم … و سميَ فيهم وهو كهلٌ ويافعُ

سَما بيَ أَوْسٌ في السَّماءِ وحاتِمٌ … وزيْدُ القَنا والأثْرَمانِ ورَافِعُ

و كان إياسٌ ما اياسٌ وعارفٌ … و حارثة ٌ أوفى الورى والأصابعُ

نُجومٌ طوالِيعٌ جِبالٌ فَوارِعٌ … غيوثٌ هواميعٌ سيولٌ دوافعُ

مَضَوْا وكأَنَّ المَكْرُمَاتِ لَدَيْهمُ … لكثرة ما أوصوا بهنَّ شرائعُ

فأيُّ يدٍ في المحلٍ مدت فلم يكن … جُنُوبُ فُيُولٍ ما لَهُنَّ مَضَاجِعُ

همُ استودعو المعروفَ محفوظَ مالنا … فضاع وما ضاعت لدينا الودائعُ

بَهاليلُ لَوْ عَايَنتَ فَضْلَ أَكُفَّهمْ … لأيقنت أنّ الرزقَ في الأرضِ واسعُ

إذا خَفَقَتْ بالبَذْلِ أَرواحُ جُودِهِمْ … حداها الندى واستنشقتها المطامعُ

رياحٌ كريحِ العنبرِ الغضِّ في الندى … ولكنَّها يومَ اللَّقَاءِ زَعازعُ

إِذا طَيىء ٌ لم تَطْوِ مَنْشُورَ بَأْسِها … فأنفُ الذي يهدي لها السخطَ جادعُ

هِيَ السّمُّ ما يَنْفَكُّ في كل بلدة ٍ … تَسِيلُ بِهِ أَرماحُهمْ وهْوَ ناقِعُ

أصارت لهم أرضَ العدوِّ قطائعاً … نفوسٌ لحدِّ المرهفاتِ قطائعُ

بكلِّ فتى ً ما شابَ منروعِ وقعة ٍ … و لكنهُ قد شبنَ منهُ الوقائعُ

اذا ماأغاروا فاحتووا مالَ معشرٍ … أغارت عليهم فاحتوتهُ الصنائعُ

فتعطي الذي تعطيهم الخيل والقنا … أكفٌّ لا رثِ المكرماتِ موانعُ

همُ قوّموا درءَ الشآمِ وأيقظوا … بِنَجْدٍ عُيونَ الحَرْبِ وهْيَ هَواجعُ

يَمدُّونَ بالبيضِ القَواطِعِ أَيْدِياً … وهُنَّ سَواءٌ والسُّيُوفُ القَواطِعُ

إِذا أَسَرُوا لم يَأْسُرِ البأْسُ عَفْوَهُم … و لم يمسِ عانٍ فنهمِ وهو كانعُ

إذا أطلقوا عنهُ جوامعَ غلهِ … تيقنَّ أنّ المنَّ أيضاً جوامعُ

وإِنْ صارَعُوا في مَفْخَر قامَ دُونَهُمْ … و خلفهم بالجدِّ جدَّ مصارعُ

عَلَوْا بِجُنُوبٍ مُوجَدَاتٍ كأنَّها … جنوبٌ قبولٌ ما لهنَّ مضاجعُ

كشفتُ قناعَ الشعرِ عن حرِّ وجههِ … وَطَيَّرْتُه عَنْ وَكْرِهِ وهْوَ وَاقِعُ

بعزٍّ يراها من يراها بسمعهِ … فيَدنو إِليها ذُو الحِجَى وهْوَ شاسِعُ

يودُّ وداداً أنَّ أعضاءَ جسمهِ … إِذا أُنْشِدَتْ شَوْقاً إِليها مَسامَعُ