أبَتْ زَفَراتُ الحبِّ إلاَّ تَصعُّدا – الشريف المرتضى
أبَتْ زَفَراتُ الحبِّ إلاَّ تَصعُّدا … ويأبَى لهيبُ الوجْدِ إِلاّ توقُّدا
و لم أرَ منْ بعد الذين تشردوا … لأغنينا إلاّ رقاداً مشردا
تذكَّرتُ بالغَوْرينِ نَجْدًا ضَلالة ً … ومن أين ذكرى غائرِ الدَّارِ مُنْجِدا؟
مضَى البينُ عنّا بالحياة ِ وطِيبها … فلم يبق بعد البين شيءٌ سوى الردى
فقلْ للّذي يَنوي الفراقَ وعندَهُ … بأني مطيقٌ في الفراق التجلدا
وَ عدتَ ببينِ يسلبُ العيشَ طيبه … فما كان ذاك الوعد إلاّ توعدا
وما كانَ عندي أن يُفرَّق شَملُنا … و يبعدُ عن داري العميدُ تعمدا
و ما سرني أنْ سرتَ عني وأنني … مقيم بأرضي أو تغيبَ وأشهدا
سيرحمني من كان بالأمسِ حاسدي … وما عادَلَ المرحومُ فيك المُحسَّدا
و أبقى وحيداً بعد أنْ كنتُ ثانياً … وَ منْ ذا بعيدَ الأنسِ يرضى التوحدا ؟
وما زلتُ دهرًا بالتفرُّقِ قانعًا … فما زلتَ بي حتّى كرهتُ التفرُّدا
هززتُك سيفًا ما انْثَنى عن ضَريبة ٍ … مَضاءً كما أنّي نَقدتُك عَسْجَدا
وكان الّذي بَيني وبينَكَ كلّهُ … وداداً وفي كلَّ الرجالِ توددا
فإنْ لم يكن سنخٌ يؤلفُ بيننا … فقد ألَّفَتْ فينا الموَّدة ُ مَحتِدا
وَ منْ قربته دارُ ودٍّ مصححٍ … إليَّ فلا كانَ المقرِّبُ مَولِدا
و ما كنتُ أخشى أنني فيك أبتلي … وتُخرِجُ عن كَفَّيَّ منكَ المهنَّدا
وأُسقَى بكَ العذبَ النَّمِيرَ ويَنْثني … فراقك يسقيني الأجاجَ المصردا
ولو لم تَرُحْ عنِّي لما كنتُ بالّذي … أُبالي بناءٍ راحَ عنِّيَ أوغَدا
و قد زادني منك النظامُ كأنهُ … رياضٌ بأعلى الحزنِ جاد لها الندى
و قلدني منا وما كنتُ قبله … وجدك ما بين الرجالِ مقلدا
و لو أنني أنشدتهُ نغماً به … معَ الصُّبحِ أطربتُ الحَمامَ المغرِّدا
كأنيَ لما أنْ كرعتُ زلاله … كرعتُ زلالاً من سحابٍ على صدى
فخُذْهُ كما شاءَ الودادُ وشِئتَهُ … نظاماً على مرّ الزمانِ منضدا
هو الماءُ طوراً رقة ً وسلالة ً … وإنْ شئتَ طَورًا قوَّة ً كان جَلْمَدا
و لما دعوتَ القولَ مني سمعته … وكانَ لمنْ يبغيهِ نَسْرًا وفَرْقَدا