يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعة ً – الشريف المرتضى
يا حاملَ الكأس ناوِلْني مُشَعشَعة ً … لم تقرِ همّاً ولا بخلاً بواديها
أحسرْ بها غيهبَ الأحوانِ عن فكرى … فكم ليالٍ بها زيّدتْ واريها
لم أدرِ لمّا امتطَتْها كفُّ حاملها … أحلَّتِ الكأسَ أم خَدَّيْ مُعاطيها
وعائبٍ لمشيبي وهْوَ لابِسُهُ … ولم يَعِبْ حُلَّة ً في النّاسِ كاسِيها
لم يدرِ أنَّ مشيبَ الرّأسِ من فِكَري … لم يَسْرِ رَكْبُ مشيبٍ في نواحيها
أليس ينقص يوماً فى ذراً لهمُ … ماءُ الشّباب غزيرٌ فى عزاليها ؟
وما الفناءُ بموقوفٍ على حدثٍ … والنّابُ في الذُّوْدِ أغْنَى من حَواشيها
وعاذلٍ من صنيعٍ قد تدرّعه … وليس يَشْفي منَ الأمراضِ شاكيها
طويتُ كشحى َّ عنه ثمّ قلتُ له : … ما العيشُ إنْ جَنَحَتْ نفسي لِلاحيها
دَعْني أنَلْ من زماني بعضَ لَذَّتِهِ … فقد وثقتُ بأنّ الدّهرَ يفريها
وكيفَ آنسُ بالدُّنيا ولستُ أرى … إلاّ امرءاً قد تعرَّى مِن عَواريها؟
كأنّها غصّة ٌ حلّتْ بمبلعها … أوْ كالقَذاة ِ أقامتْ في مآقيها
” نصبوا ” إليها بآمالٍ مخيّبة ٍ … كأنّنا ما نرى عقبى أمانيها
فى وحشة ِ الدّار ممّنْ كان يسكنها … كلُّ اعتبارٍ لمن قد ظلّ يأويها
لا تكذِبنَّ فما قلبي لها وطنٌ … وقد رأيتُ طلولاً من مغانيها
كم قد ركبتُ إلى العلياءِ ظهرَ فَلاً … تضلُّ فيه قَطاة ٌ عن مَجاثيها
وقفرة ٍ تُنكرُ الأنْسُ الوحوشَ بها … ولايُرجِّي ورودَ الماءِ صاديها
إذا تراختْ ركابى عن مهامها … ركبتُ فيها اعتزاماً لا يباليها
هانتْ على َّ مخوفاتُ الخطوبِ فما … أَثْني يمينيَ عن قُصْوَى مَراقيها
كأنّما قد نعى الدّنيا مخلّدها … أوْ في يديَّ أمانٌ من لياليها
” ومنْ تكنْ ” نفسهُ لم يملها جزعٌ … فزجرُ مُهْرِك في الهيجاءِ ماليها
وإنْ تكنْ لم تَذَرْ كُثْرَ الأنامِ لها … قُلاًّ فشِلْوُ هَزيلِ الجَنْبِ كافيها
نفسي تنازعُني حالاً يضيقُ لها … عَرضُ البلادِ فمن لي مِن تَقاضيها؟
لقد دَعَتْ سامعاً لم تَكْدَ دعوتُهُ … وطالبتْ بعظيمٍ مَنْ يُؤاتيها؟
أقْلِلْ لديَّ بأنباءِ الزَّمانِ فما … أهابُ نفسي لأنّي لا أُرَجِّيها
لا تجتنِ العزَّ إلاّ من حدائقهِ … فكم رياضٍ عراضٍ خاب جانيها
ما عزّ من ذلَّ فى تطلابِ عزّتهِ … مجاوِرُ النّارِ من قُرٍّ كصاليها
إنَّ المعالى َ لا تعطيك صهوتها … وما سعتْ لك رجلٌ فى مساعيها
لم تَنتَهِزْ مادَنا من فرعِ دَوِحتِها … فكيفَ تَسمو إلى مافي أقاصيها؟