هيَ الدّارُ موقوفٌ عليكَ بكاها – الشريف المرتضى

هيَ الدّارُ موقوفٌ عليكَ بكاها … فلا تعُدها يوماً تؤمُّ سِواها

وخلِّ اعتذاراً بالرِّكاب فإنَّما … بكفّ الذى يعدو الرّكابَ خطاها

هَوِيتُ ثَراها قاصداً مَن مشَى بها … ولولا هواها ما هويتُ ثراها

ولمّا عرفنا دارها بمحجّرٍ … وحلّتْ عيونٌ بالدّموعِ حباها

نظرتُ إليها يومَ سارتْ حُدوجُها … فلم يكُ للأجفانِ غيرُ قَذاها

وقفنا عليها طاعة ً لقلوبنا … رِكاباً حَداها الشَّوقُ حينَ حَداها

فكانَ حنينَ المُهْجَساتِ رُعودُها … وصوبَ دموعِ النّاشجين حياها

فيا منزلاً بانتْ وفيه ضياؤها … وليستْ به وهناً وفيه نشاها

سقاكَ من الأنواءِ ما شئتَ من ندًى … ولازلتَ ريّانَ الثَّرى وسَقاها

أُحبُّكَ والبيتِ الّذي طوّفَتْ به … قريشٌ ومسّتْ تربهُ بلحاها

ومَنْ حَطَّهُ بيتاً عتيقاً محرَّماً … وجابَ له الأحجارَ ثمَّ بناها

وقومٍ نَضَوْا بالمَوْقِفَيْنِ ذنوبَهُمْ … ومن حلَّ فى وادى منًى وأتاها

وبالحصياتِ اللاّتى ينبذن حسبة ً … ومنْ قلّها منْ صخرها ورماها

لَئِنْ كنتِ من دارِ الغرامِ صحيحة ً … فلي مُهْجَة ٌ لم يبقَ غيرُ ذَماها

وزارتْ وسادى فى الظّلامِ خريدة ٌ … أرها الكرى عيني ولستُ أراها

تَمانَعُ صُبحاً أنْ أراها بناظري … وتبذلُ جنحاً أنْ أقبّلَ فاها

ولمّا سرتْ لم تخشَ وهناً ضلالة ً … ولا عرف العذّالُ كيف سراها

فما ذا الذى من غير وعدٍ أتى بها … وماذا على بعدِ المزارِ هداها ؟

ويا ليتني لمّا نزلتُ بِشِعْبها … تكونُ قِرايَ أوْ أكونُ قِراها

وقالوا : عساها بعد زورة ٍ باطلٍ … تزورُ بلا ريبٍ فقلتُ: عساها

ألاّ نكّب الأنواءُ دارَ مهانة ٍ … فما عندنا للنّفسِ غيرُ ضناها

مقيمٌ بلا زادٍ سوى الصّبر والحجى … على شجراتٍ لا أذوق جناها

لغيري اخضرارٌ من فروعِ غُصونِها … وليس عليه بلْ على َّ ذواها

أشيمُ بروقاً لا أرى الغيثَ بعدها … وأرقبُ سُحْباً لا يَطُلُّ نَداها

ولو كنتُ أرجوها قنعتُ فإنّنى … حُرِمْتُ بها فيما حُرِمتُ مُناها

وإنّى لمغرورٌ بقومٍ أذلّة ٍ … يحلّون من أرضِ الهوانِ ذراها

وإنْ جئتهمْ تشكو مضيضَ ملمّة ٍ … تَقَوْا بك مغلولَ اليدين شَباها

وكلِّ مَليءٍ بالمَلامِ مذمَّم … عرته المخازى مرّة ً وعراها

يهشُّ إلى العوراءِ وهى َ قصيّة ٌ … ويعمى عن العلياءِ وهو يراها

صحبتكمُ أجلو بكمْ عنّى َ القذا … فأعشَى عيوني قربُكمْ وغَطاها

وكنتُ أُرَجِّي صبحَكمْ بحنادِسٍ … فكنتمْ نهاراً للعيونِ دُجاها

فليت الذى ما كان للعين قرّة ً … وقد أبصرته لا يكون عماها

ودارُكمُ دارٌ إذا ما مضَى بها … كريمٌ عداها معرضاً وطواها

إذا قرّبتْ شيئاً لديه انتوى لها … وإنْ عُرضتْ يوماً عليه أباها

وماهانَ إلاّ خائفٌ يستجيرها … ولاخاب إلاّ مَنْ مَنا فَرَجاها

وما المُسْلَمُ المخدوعُ إلاّ نَزولُها … ولا المُهْمَلُ المبذولُ غيرُ حِماها

فلا بارك الرّحمان فيمنْ أحبّها … وبارك فيمن ملّها فقلاها

ولا بَلَغَتْها النّاجياتُ طَلَبْنَها … وعقّلنَ عن إدراكها بوجاها

فأَيُّ انتفاعٍ بالبلادِ عريضة ً؟ … وباتَ قصيراً في الرّجال جَداها

فكلُّ بلادٍ لم يفدك اقترابها … فما قربها إلاّ كبعدِ مداها

رمِ المطرحَ الأعلى من الفضل كلّهِ … ولا ترضَ فى أكرومة ٍ بسواها

وخلِّ ضنيناً بالحياة ِ فإنّه … فداها ببذلِ العِرْضِ حين فَداها

فلستَ لدى حكمِ العشيرة ِ شيخَها … إذا لم تكنْ يوم الطّعانِ فتاها

وكيف ولم تحملْ بظهرك ثقلها … تدورُ على قطبٍ نَصَبْتَ رحاها؟

وما سدتها فى يوم سلمٍ ولم تكنْ … بسيّدها فى الضّربِ يوم وغاها

فكن إنْ أردتَ العزَّ فيها مسالماً … شِفارَ مَواضيها وزُرْقَ قناها

فلي في معاريضِ الكلامِ تَعِلَّة ٌ … ومن عللِ الأدواء منه شفاها

فإن يمكن التّصريحُ صرّحتُ آنفاً … وروَّيتُ أحشاءً أطَلْتُ ظماها

وإلاّ فجمجامٌ من القولِ سائرٌ … بأيدي عِناقِ النّاعجاتِ كفاها