قالوا عساك مرجَّمٌ فتبيَّنِ – مهيار الديلمي
قالوا عساك مرجَّمٌ فتبيَّنِ … هيهات ليس بناظري إن غرَّني
هي تلك دارهمُ وذلك ماؤهم … فاحبس وردْ وشرقتَ إن لم تسقني
ولقد أكاد أضلُّ لولا عنبرٌ … في الترب من أرج الحبائب دلَّني
فتقوا به أنفاسهن لطائما … وظعنَّ وهي مع الثرى لم تظعنِ
يا منزلا لعبت به أيدي الصَّبا … لعبَ الشكوك وقد بدت بتيقُّني
إمَّا تناشدني العهودَ فإنها … حفظت فكانت بئس ذخرُ المقتني
سكنتكَ بعدهم الوحوش تشبّها … بهمُ وليتك آنفا لم تسكنِ
لعيونهنّ علامة ٌ سحريّة ٌ … عندي فما بال الظباءِ تغشُّني
أزمانَ أنفق من شبابي مسرفا … والعيش أعمى عن صروف الأزمنِ
ندمانَ كلِّ فصيحة ِ التأنيث لو … خطبتْ لتنعتَ حسنها لم تحسنِ
تمشى قناة ً ثم يذكر قدّها … أن التثني للقضيب فينثني
لله ما تلك الغصون لو أنها … غرَ الخديعة أثمرت للمجتنى
نفض الصِّبا أو راقه وأعادني … خوطَ اليراعة كيف يعجم ينحني
إني لأعلم قبل فضِّى ختمه … ما في كتابٍ بالمشيب معنونِ
مالي عن الدنيا حلمتُ ومكرها … أنَّى التفتُّ مطالعي من مكمنِ
أبدا رقاها تستثير تذلُّلي … فكأنها ملسوعة ٌ بتصوّني
حتى لأنساني الدجى ما لونُها … أو كاد ريبُ زماني المتلوّنِ
قالوا متاجرهُ رهينُ خسارة ٍ … إن صافقتْ يده يدي فليغبنِ
حاشى طلابي أن أعمَّ به وقد … خصّ السماحُ بموضعٍ متعيِّنِ
يا حظُّ قم فاهتف بناحية ِ الغنى … فيالرَّى وارحم كدَّ من لم يفطنِ
وأعن على إدراكها فبمثلها … فرّقتُ بين موفَّق ومحيَّنِ
لمن الخليط مشرِّقٌ ومضمانهُ … رزقٌ لنا في غيره لم يؤذنِ
اشتقتُ يا سفنَ الفلاة فأبلغي … وطربتُ يا حادي الركابِ فغنِّني
وانهضْ فرحِّلْ يا غلامُ مذلِّللا … تتوعَّر البيداءُ منه بمدمنِ
يرضى بشمّ العشب إما فاته … والسير يأكل منه أكلَ الممعنِ
مرح الزمامِ يكاد يصعبُ ظهره … فتصيح فاغرة الرحال بهلنِ
الرزقُ والإنصافُ قد فقدا فلذْ … بالريّ واستخرجهما من معدنِ
وإلى أبي العباس حافظِ ملكها … سهلَ الأشدُّ ولان خبثُ الأخشنِ
يا موحدا عدم النظيرَ كناية ً … إني متى أذكرك باسمكِ أجبنِ
لا ينسينْ ملكٌ ضمنتَ بقاءه … بالأمس غمدك منه سيفَ المقتني
كانت جحيما وهي تحسبُ جمرة ً … حتى غضبتَ فقال موقدها اسكني
جاءوك جمعَ الصوت حولَ مرجم … لم تخترق سمعيه زجرة ُ أيمنِ
عدَّ الكثيرَ ولم يطرْ بحسابه … ما بين موثوقٍ به ومخوَّنِ
وأطاع رأيا جاهلياً لو رأى … آياتِ غيرك حجّة ً لم يوقنِ
حتى طلعتَ فكنتَ شمسا مزَّقتْ … بيد الشَّمال ضبابَ يومٍ مدجن
نحلوكَ سابقة ً بصهوة مثلها … طاف الأمانُ بمعقل المتحصّنِ
بهماءَ إلا نقطة ٌ فكأنما … نبلتْ بسهمٍ في الجبين مقطَّنِ
عوّدتها خوضَ الدماء فإن تدسْ … يبسَ الترابِ ولم تقم بك تصفنِ
لما رأوك تفرّقت أرواحهم … فكأنما عرفتك قبلَ الأعينِ
ألقِ السلاحَ فقد غنيت سعادة ً … عن حمله واضربْ بجدِّك واطعنِ
فإذا هممتَ بأن تفلَّ كتيبة ً … لا قيتها فتسمَّ فيها واكتنِ
وقفَ الجمالُ عليك كلَّ فضيلة ٍ … قادت لك الأهواءَ قيدَ الأرسنِ
وعددتَ وحدك سيِّدا فمتى تزدْ … في اللفظ تثنية ً له لا ينثني
لا ينكرنَّ حسودُ ملكك ما رأى … فاللهُ أعلمُ ما اجتبى وبمن عني
صلَّت عليك وقد ذُكرتَ مدائحي … والناسُ بين مذمَّمٍ وملعَّنِ
اقرأ على بعد المسافة بيننا … ولو استطعتُ القربَ قلتُ لك ائذنِ
قولاً يقرُّ الحقَّ منه مقرّه … ويردّه ما لم يكن بمبرهنِ
مما أبثُّك أننا في أرضنا … لا يُذكرُ الإحسانُ غيرَ مؤبَّنِ
في معشرٍ إن جاد قولة َ مظهرٍ … منهم فتى ً لامته نيّة ُ مبطنِ
خشنتْ جعادُ أكفِّهم فكأنما … في اللؤم صيغت من طباع الأزمنِ
لم يبق غيرك من يقالُ مؤمَّلٌ … أو يتبعُ الداعي له بمؤمِّنِ
كرمٌ شملتَ به وعدلُ سحابة ٍ … سوَّى الأجمَّ بنانها بالأقرنِ
أشكو ظماى وليس غيرك ساقيا … فامدد يديك على البعادِ فروّني
واسمع فإن عزبتْ فلم تسمع لها … أختاً لها في مادحيك عرفتني
هي قِبلة ٌ صلَّى القريضُ لها فمن … لم يعنُ منه لها فليس بمؤمنِ
لولا ثناؤك ما امتننت بوصلها … والمرءُ يقدحُ في صفاة المحسنِ
ثمِّنْ بها الأرباحَ فهي بضاعة ٌ … ما زلتُ أذخرها لعلقٍ مثمنِ
كان الزمانُ لأن أشافه ضامنا … فأعاضَ منه بأخرسٍ متضمّنِ
ولئن أعنتُ لأتلونهُ مصليِّا … ولأطلعنَّ عليك إن أنهضتني
ما بالأديب إذا تغرَّبَ ذلَّة ٌ … إن الخصاصة َ غربة ٌ في الموطنِ
قعد الغنى عنّى فقم بي مرغما … أنف الزمان وأغنني تتملَّني
وإن اجتديتُ سواك بعدُ فجازني ال … حرمانَ إنّ القتلَ حدُّ المحصَنِ
عاقت خواطري الهمومُ وخالفتْ … نوبٌ على الفكر الغزيرِ عصينني
فلو اتبعتُ لغير مدحك لفظة ً … عنها أقرِّر خاطري لم يُذعنِ
قبضَ الجلوسُ يديّ عن أمنيَّتي … إن الظُّبا مأسورة ٌ في الأجفنِ
وإذا قلوبٌ قارعت أحزانها … ظهر الفلولُ على غروب الألسنِ
ما فات حظّي أنّ مثلي ممكنٌ … لكن كثرتُ على الزمان فملّني
يا من رآني قبلَ أحمدَ سائلا … قوماً يقول جوادهم لي عدَّني
كبر الرجاءُ اليومَ عن أقدارهم … فطغى وأبزلَ بعدك الأملُ الثَّني