الى البعثة المصرَية – محمد مهدي الجواهري
رُسُلَ الثقافةِ من مُضَرْ … وَجْهُ العراق بكِم سَفَرْ
حَرَصَ القضاء عليكم … وَرَعتْكُمُ عينُ القَدَر
جئتتُمْ وهاطلةُ الغَمام … معاً ورُحْتُم والقمَر
رشَّ السماءُ طريقَكم … أيُحبُّكم حتى المطر
في القلبِ منزلُكم وبين … السَمع منا والبَصر
نحن الحُجولُ وانتم … في كل بارزةٍ غُررّ
ليل الجزيرة لم يكنْ … لولاكمُو فيه سَحَر
يا سادتي ان العراق … جميعُه بكُمُ ازدَهَر
والمحتفونَ بكم وإنْ … كانوا ذوي كَرٍّ وفَرّ
وجميعُهُم اهلُ البلاد … ولا يُقاسُ بِما نَدَر
فأجَلُّ من زُمَرٍ تَلَقَّتْكُمْ … قد اختبأتْ زُمَر
وأجَلُّ ممن قادَهُمْ … حبُّ الظهورِ مَن استَتَر
خَفيَت ذواتٌ جَمّةٌ … وبَدَتْ لكم بعضُ الصُور
وأُزيِحَ من ظَفِروا به … ومشى اليكم من ظَفِر
ملءَ النوادي معجَبون … بفضلِكِم ملء الحَجَر
كنَّهُمْ لم يملِكوا … حقّ الجلوس على السُرُر
غيرُ المناسِب ان يَمسَّ … حريرَ سادَتنا الوَبَر
فاذا أرَدْتُم ان يُتاح … لهم بصُحبْتكم وَطَر
فضَعوا بقارعةِ الطريق … لَهُم بُيوتاً من شَعَر
وسيسُمعونَكُمُ من الترحيب … خاتَمةَ السُوَر
وَضْع العراقِ خذوه من … عذبَات أقلامِ أُخر
ولحفظِ حُرِيّاتِهِمْ … من أن تُداسَ وتُحتَقَر
لَتُرحْ لمصرَ سُعاتُكم … ليَجئْكُمُ منها خَفَر
هم مُرهقون لانَّهمْ … لا يصدَعون لمن أَمَر
ومُضايَقون لانَّهمْ … ما في عزائِمهم خَوَر
عندي مقالٌ يستَوي … من لامَ فيه ومن عَذّر
سقَطَتْ على الأرض الثمار … وجاءَكم يمشي شَجَر
ماذا احدّثُكُمْ حديثَ … القَلب من جَمْر أحَرّ
كلُّ المسائل مُرَّةٌ … وسكوتُنا عنها أمَر
أعليكم يَخفَى وفي … كلِّ الورى ذاعَ الخَبر
لستُمْ من القوم الذينَ … يُخادَعون بما ظَهَر
حتى نغالِطكم ونزعمُ … أنَّنا فوقَ البَشر
رُسلَ الثقافة من أجلِّ … صفاتِكم بُعْدُ النَظر
ولداُتنا في كلِّ نَفع … للسياسةِ أو ضَررَ
غَطَّى علينا سادتي … وعليكُمُ جِلدُ النَمِر
وعلى السَواء لنا كما … لكُمُ يُكادُ ويُؤتمرَ
وعلى قياسٍ واحدٍ … حُفِرتْ لكم ولنا الحُفَر
انتُمْ لنا عِبرٌ وفيما … نحن فيه لكُمْ عِبَر
عن أي شيءٍ تَسألون … فكل شيء مُحتكَر
لم يخلُ دَرْب من عراقيلٍ … ولم يسَلَم مَمَرّ
وسَلُوا الخبيرَ فانني … ممن بواحدةٍ عَثَر
حتى لقد اشفقت أن … يعتاقَ رحلتَكم حَجَر
تهتاجُنا النعرات طائشةً … وينجَحُ من نَعَر
في كلِّ حَلق نغمةٌ … ولكلِّ أنملةٍ وَتَر
ويعاف من لم يرض … أصحاب النفوذِ وينتهِر
تمشى سموم المُغرِضين … بسُوحنا مشيَ الخَدَر
يتقاذَفُون عقولَنا … وقلوبَنا لَعِبَ الأُكر
ولقد نُُصفِّق للخطيب … ونحن منه على حَذَر
باسم البلاد يجل من … جرَّ البلادَ الى الخَطَر
يا سادتي : لا ينتَهي … فيضُ الشعور اذا انفَجَر
ولكي أريحَكُمُ أجيءُ … لكم بشيء مُختَصَر
إن السياسة لَم تبقِّ … على البلادِ ولم تَذَر
وبرغم ما في الرافدينِ … من المصائبِ والغِيَر
وبرغم أنا قد تزعَّمَ … عندنا حتى البَقَر
فهنا شبابٌ ناهضونَ … عقوقُهم إحدى الكُبَر
كِتَلٌ تَحَفَّزُ للحياة … يسوقهُا حادٍ اغّر
تمشي على نُور الثقافة … مشيَ موثوقِ الظَفَر
فيها الشجاعةُ من عليٍّ … والسياسةُ من عُمّر
واذا أمَرتُم ان أسامرَكم … فقد لذَّ السَمَر
عن نَهْضةٍ أدبية … ما إن لها عنكُمْ مَفَر
لولاكُمُ ما كان للشعراء … فينا من أثَر
قبر الاديبِ الالمَعَيِّ … هنا وفي مصرَ انتَشَر
الله يُجزي من أفاد … ومن أعانَ ومن نَشَر
اني اسائلُكم وأعلَم … بالجواب المُنتَظَر
هل تَقبَلون بأن يقالَ … اديبُ مصرَ قد افتَقَر
او أنَّ ” شوقي ” من … حَراجة عيشِه كالمُحتَضَر
او أنَّ ” حافظَ ” قد هوى … فتجاوبونَ : الى سَقَر
حاشا : فتلكَ خطيئةٌ … وجَريمةٌ لا تُغتَفَر
” شوقي ” يعيشُ كما يَليقُ … بمن تَفكِّر او شَعَر
وسطَ القصورِ العامراتِ … وبين فائحةِ الزَهَر
برعايةِ الوطَن الأعَزِّ … وغيرةِ الملِك الأبَر
وتحوطُ ابراهيمَ عاطفةٌ … الأمير من الصِغَر
أما هُنا فالشعر شيء … للتملُّح يُدَخَر
وعلى السواءِ اغابَ … شاعرُنا المجوِّدُ أم حَضر
سَقَطُ المتاع وجوُده … عند الضرورة يُدَّكَر
في كل زاويةٍ أديبٌ … بالخمول قد استَتَر
وقريحة حَسَدوا عليها … ما تجودُ فلم تثر
والى اللقاءِ وهمُّنا … أن الضيوف على سَفر
جَمَعَ الالهُ مصيرَنا … ومصيرَ مصرَ على قَدَر
كلمات: نزار قباني
ألحان: محمد الموجي