سجين قبرص – محمد مهدي الجواهري
هي الحياة بحلاءٍ وإمراءٍ … تمضي شعاعاً كزَند القادح الواري
سجيَةُ الدهر والبلوى سجيتُه … تَقَلُّبٌ بين إقبال وإدبار
لم يدر من أحسنوا صُنْعاً لغيرِهُمْ … بأنَّ عقباهُمُ عُقْبىَ سِنِمّار
ود الاباة وقد سيموا مناقصةً … في الرُوح لو أبدلوهم نقصَ أعمار
مَن ضامِنٌ لك والايامُ غادرةٌ … أن ليس ينشُب فيك السَهم يا باري
ما للتمدُّن لا ينفكُّ ذا بِدَعٍ … في الكون يأنَفُ منها وحشهُ الضاري
كم ذا يُسمُّون أحراراً وقد شَهِدَت … فِعالهم أنها من غير أحرار
ما للجزيرة لم تأنسْ مرابعُها … بعدَ ” الحُسينِ ” ولم تحفِلْ بسُمّار
مُغبرَّةً خلَّفَ الليل السوادُ بها … أو جلَّلتْها سماءُ الهمِّ بالقار
لِمْ لا تشَبُّبها نرٌ أكلُّهم … ألهاهُمُ الحزنُ حتى موقدو النار
يا مهبطَ الوحي للتاريخ معجزةٌ … سَلي تحدِّثْكِ عنها فُوهةُ الغار
لله عندَكَ بيت سوف يكلؤهُ … من أن يُباح لأشرار وكُفّار
تلك السُنونَ بآثارٍ مضت واتت … هذي السنونَ تُبَغْي محوَ آثار
دارٌ بدَّيارها من طارق حُفِظَت … وطالما حُفِظَت دار بدّيار
شيخ الجزيرة أنت اليوم مُرتَهَنٌ … بحسنِ فِعلك من صِدقٍ وإيثار
لتحمدَنَّ من الدنيا عواقبَها … فقد أرَينَكَ عُقبى هذه الدار
خُودعت عنها وليستْ لو علمتَ سِوى … مراسحٍ همُّها تمثيلُ أدوار
تغشىَ العيونَ بتدليس محاسنُها … وتستكنُّ المساوي خلف أستار
يا حاملين على الأمواج عزمتَه … قابلتُمُ البحرَ تيّاراً بتيّار
هل بلَّغتْ قبرصٌ عن ضَيف بُقعتِها … بأنَّه أيُّ نَفّاعٍ وَضرّار
كمثل ثائرٍ ذاك الموج ثورتَه … يوم استشاط وهاجَتْ سورة الثار
يامن يُجِلُّ شعارَ الدين مستمعاً … لله آياتُ إجلالٍ وإكبار
حتى على البحر للتكبير ماذنةٌ … تقامُ كلَّ عشيات وأبكار
ألله أكبر ردَّدها فان بها … خواطراً ورموزاً ذات أسرار
مما يعيد إلى التاريخ روعتَه … تخليدهُ ملكاً في زيّ أحبار
من سِّيئاتِ ليالٍ جلَّ ما صنَعَت … سوءاً بليةُ وفّاء بغدّار
يا ناهضاً بأباةِ الضيم منتفضاً … عن أن يَمُدَّ يداً للذُل والعار
في ذمة الله والتاريخ ما تَرَكَت … ايامُك الغُرُّ من محسود آثار
إن لم يقيموا لك الذكرى مخلدَّةً … فحسنُ فعلك فينا خيرُ تَذكار
لو تبتغي بغنى عن عزةٍ بدلا … لكنتَ ذا نَشَبٍ جَمٍ وإكثار
نهضاً بني العَرَب العَرْباء أنكُمُ … فرأئسٌ بين أنياب وأظفار
أرقدةً وهوانا أن بعضَهما … مما يَفُتُّ بأصفادٍ وأحجار