النجوى – محمد مهدي الجواهري

يقولون : ليلٌ علينا أناخ … نهارٌ على الغربِ يُعشي العيونا

وأنَّا نسينا عناءَ القلوب … لأنَّا بهذى الدُّجى هادئونا

وأنْ ليس في الكون من رحمةٍ … يواسي بها معشراً آخرونا

فليتَ عيوناً سُهاداً درتْ … بأنا – كعادتنا – راقدونا

سألناكمُ عن مَثار السَّديم … فَعَنْ حُرَقِ الهمِّ لا تسألونا

فانَّ معاملَكمْ والبخار … وقلبي وزفرَتهُ مستوونا

أرى أُمماً هي والمالكين … متاعٌ أعدَّ لِمنْ يأكلونا

نظنَّهُمُ خُلقوا للغلاب … وأنَّا خُلِقْنا لأنْ يغلبونا

وعصرٌ تَناهضَ فيه الجمادُ … عجيبٌ به يجمُدُ النَّاهضونا

ألا هِزَّةً تستثيرُ الشّعوب … فقد يُدْرِكُ النَّهْزَةَ الثائرونا

ألا قبساً من شُعاعِ الكليم … تُعيدُ على الشَّرق يا” طُورَ سينا “

خليليَّ أين نبوغُ العراق … وأين ذوو حُكْمهِ النابغونا

أذاكَ الذَّي خَلَّفَ الذّاهبون … كهذا الذَّي ترك الوارثونا ؟

أغير َ المطامعِ لا تعرفون … وغيرَ الهياكلِ لا تعبدونا ؟

زفيفاً وقد حلَّقَ المعتلون … وزحفاً وقد أبْعَدَ الرّاكضونا ؟

ولسنا وقد أعجزتنا الحياة … عن الموتِ في نيلها عاجزينا

وإن أنسَ لآ أنس حول ” الفرات ” … مناظر تُصبي الحليمَ الرزينا

نسيماً يلاطف رِخوَ النمير … كما حرَّكَ الوَرَقَ اللاعبونا

وساكن جوٍ يعيدُ الأثير … كما الحبُّ شاء شجيّاً حزينا

ونوراً كسا سُدُفاتِ الأثير … جمالاً يردُّ التَّصابي جنونا

يدلُّك يا بدر هذا الجمالَ … على الخَلق لو انصفَ الشاكرونا

كفتنيْ الكرى واجباتُ المِحاق … فجئتُ تَماسَحُ مني الجفونا

تَجَلىَّ علينا إلهُ الشعور … سجوداً معي أيُّها الشاعرونا

على مَهَلٍ بعضَ هذا الخداع … فنُورك قد أوهمَ اللاقطينا

إذا ما اعتلى البدرُ خيطَ الرمال … تخيَّلها الطرفُ عِقْداً ثمينا

بامركَ تحريكُ درع الفضاء … وان رَجَمَ الخلق فيك الظنونا

سلامٌ على أنفُسٍ رفرفتْ … من الحبِّ هام بها المغرمونا

خليليَّ حتى وعورُ الجبال … تَهيجُ الصبَّابةَ لي والحنينا

ولي مضغةٌ بينَ عُوج الضلوع … تحاولُ أنْ تجعلَ الفَوْقَ دونا

فديتُ المُنى أنَّها رَوحةٌ … وروحٌ يعيشُ بها الشاعرونا

ولو لا قلوب تحس الاذى … لما عرف اللذة العاشقونا

رقاق ٌ ترى أنَّ مَيْل الغصون … إذا ما الصبا جالَ في الروضِ هُونا

وإنَّ ممنَ الشّعْر وهو الخيالُ … عروشاً وأنهمُ المالكونا

خليليَّ إنَّ ادكارَ الصبّا … يُهَيّجُ من عيشنا ما نَسينا

هَلُمّوا رفاقي فهذا الضياء … سينشرُ أعمالَنا إنْ طُوينا

ابن أيُّها البدرُ كيفَ النَّجاة … وأين اقتنْصنا ، وأني رُمينا

وكيفَ استحالَ صفاءُ الربيع … هموماً تصاحِبنا ما بَقينا

وكيفَ اختفائيَ تحتَ الظلال … زمانَ صِبايَ مع اللاعبينا

وكيف إذا البدرُ حتى الوِهاد … نَخِفُّ لطلعتهِ أجمعونا

نسير على خُطُواتِ الشّعاع … كأنا إلى غايةٍ سائرونا

وكيف السَّلامُ عَقيبَ الصِدّام … وكيفَ التمازجُ ماء وطينا

أعيدوا الطفولةَ لي إنَّها … تُعيدُ النواهةَ لي والقينا

وليلٍ أراني دبيبُ السَّنا … بهِ كيف تحيا أمانٍ بَلينا

وقد ذهب الَّليلُ إلاَّ ذَماً … كما ردَّدَ النَّفَس َ الجارضونا

وآذنَ بالصبحِ صوتُ الهَزار … كما هيَّجَ النَّغَمَ العازفونا

صُداحٌ هو الشّعر زاهي البيان … يُكذِّبُ ما زخرفَ المُدَّعونا

وكم هاجَ في شدوهِ الأعجمي … خواطرَ أعجزتِ المُفصحينا

يهبُّ على نَسَماتَ الصْباح … إذا ما استهانَ بها الرّاقدونا

خليليَّ روح الحياة النَّسيم … فلولا انتشاقُ الصَّبا ما حيينا

ويوم ٌتضاحكَ فيه الرَّبيع … وحيَّتْ ورودُ الرُّبى المجتلينا

تمشَّى على الروض روحُ الاله … فمالَ ومِلْنا له ساجدينا

حدائقُ خَطَّ عليها الجمال … قصائدَ أعْجَزَتِ النَّاظمينا

كأن جلالَ الهوى شَّفها … ففاضتْ دموعاً وسالتْ عيونا

وساقيةٍ باتَ قلبُ الدُّجى … يُعيد عليها الصَّدى والأنينا

جرتْ وأجرَّتْ دموع الغرام … فلا عَذُبَ الوِرْدُ للشاربينا

عليها رياضٌ كساها الرّبيع … مَطارفَ يَعيا بها المُبدعونا

أُحِبُ الحقولَ لأنَّ الجمال … تجمَّعَ فيها فنوناً فنونا

فيا ساكني فَجَواتِ البطاح … هنيئاً لكمْ أُيُّها الخالدونا

نعيماً فلا الريحُ خاوي المهبّ … ولا الرُّوحُ ذلَّلها الطَّامعونا

خليليَّ أُفٍ لهذي المروج … إذا ما استبدَّ بها المالكونا

وليتَ الفداء لكوخ الفقير … قصورٌ أنفَ بها المْترَفونا

إذا ما استدارتْ خطوبُ الزَّمان … ستعلمُ أيُّهُمُ الخاسرونا

فانَّ الهبوطَ بَقدْرِ الصعّود … فانْ شئتَ فَوْقاً وإنْ شئتَ دونا

وَمنْ في البسطةِ يَفدي البسيط … ويفدي ذَوُو الجَشعِ القانعيا

ألا هَلْ أتى نوَّماً في العراقِ … أنَّا للأجلِهِمُ ساهرونا

أحبَّتنَا إنَّ همسَ البحار … زفيرُ الأحَّبةِ لو تعلمونا

أصيخوا ولَوْ لاهْتزازِ القلوب … فليسِ من العدلِ أنْ تُوحدونا

إذا ما وردتمْ نميرَ الحياة … وراقَ لكمْ وِرْدُه فاذكرونا

وإن لاحَ صبحٌ لكمْ فاذكُروا … بأنَّا بليلِ العمى خابطونا

وإنَّ عُضالاتِ هذا المحيط … نقائصُ أعوزها المصلحونا

هياكلُ أخنى عليها الجمود … فغيرََ الذي وجدوا لن يكونا