عَفَا الْعَلَمُ الرَّاسِي كَمَا يَقْشَعُ الظِّلُّ – خليل مطران

عَفَا الْعَلَمُ الرَّاسِي كَمَا يَقْشَعُ الظِّلُّ … فَمَا يُوسُفٌ إِلاَّ حَدِيثٌ لمَنْ يَتْلو

لَئِنْ كَانَ حَتْفَ الأَنْفِ عَاجِلُ مَوْتِهِ … لَمَصْرَعُهُ فِي مِيلِ مَوْقِفِهِ قَتْلُ

قَضَى يُوسُفُ الْجِنْدِيُّ جُنْدِي قَوْمِهِ … بِحَيْثُ قِوَامُ العِزَّةِ الرَّأْيُ لاَ النَّصْلُ

بِحَيْثُ الْقَنَا وَالمَشْرَقِيَّةُ خُضَّعٌ … لِمَا تَزَعُ الشَّورَى وَمَا يَشْرَعُ الْعَدْلُ

فَرَاحَ شَهِيدَ البَذِل مِنْ ذَاتِ نَفسِهِ … وَمِنْ خَيْرِ مَا يَقْنِي وَذَاكَ هُوَ الْبَذْلُ

يُنَهْنَهُ عَنْ إِسْرَافِهِ غَيْرَ مُنْتَهٍ … كَأَنَّ بِهِ جَهْلاً وَلَيْسَ بِهِ جَهلُ

إِذَا مَا سَبِيلُ اللهِ كَانَتْ سَبِيلَهُ … فَمَا فِي سَبِيلِ اللهِ حِرْصٌ وَلاَ بُخْلُ

وإِنْ يَكُ حُبَّ النَّفْسِ وَالوُلْدِ شِرْعَةً … فَحُبِّ البِلاَدِ الفَرْضُ وَالآخَرُ النَّفْلُ

وَلَيْسَ امْرُوءٌ لَمْ يَمْنحِ الْمَجْدَ نَفْسَهُ … بِبَالِغِهِ أَو يَبْلُغَ الجَبَلَ السَّهلُ

عَذِيرَ الأُولَى يَبْكونَ يُوسُفَ إِنَّهُ … مَضَنةُ وَادِيهِ فَمَا رُزؤُهُ سَهْلُ

طَوَتْهُ المَنايَا وَهْوَ أَوْحَدُ أُمَّةٍ … فَلاَ تُنْكِرُوا أَنْ شَاعَ فِي الأْمَّةِ الثكْلُ

لَقَدْ جَمَعَ الشَّمْلَ الشَّتِيتَ بِبَيْنِهِ … أَلَيْسَ بِغَيْرِ البَيْنِ يَلْتَئِمُ الشَّمْلُ

عِتَابٌ أَجَازَتْهُ خُطوبٌ مُغِيرَةٌ … عَلَيْنَا وَعَنْ إِنْذَارهِنَّ بِنَا شُغْلُ

بِأَيِّ مُحَامٍ عَظَّمَ اللهُ أَجْرَهُمْ … أُصِيبُوا وَأَعْزِزْ أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ

مَكَانُ الْمُحَامِي غَايَةٌ فِي سُمُوِّهِ … إِذَا اجْتَمَعَتْ فِيهِ النَّزَاهَةُ وَالنُّبْلُ

وَلَمْ يَكُ سَوَّاماً ولَمْ يَكُ مُتَجِراً … متى أَعْضَلَ المَوْضُوعُ أَوْ أَشْكَل الشَّكْلُ

يُهَيِّءُ فَصْلَ القَوْلِ فِي كُلِّ مَوْقِفٍ … بِحُجِّتِهِ المُثْلَى لِمَنْ قَوْلُهُ الفَصْلُّ

وَيَدْفَعُ تَضْلِيلَ الَّذِينَ افْتِرَاؤُهُمْ … عَلَى اللهِ حَقٌّ وَالحَرَامُ لَهُمْ حِلُّ

فَذَاكَ مُلاَذٌ يُرْتَجَى وَمَنَارَةٌ … لأُمْنِ الأُولَى رِيعُوا هَدْيِ الأُولَى ضَلُّوا

تَعَاطَى المُحَامَاةَ الشَّرِيفَةَ يُوسُفٌ … فَأُّحْمِدَ فِيهَا قَوْلُهُ الحُرُّ وَالْفِعْلُ

وَكَانَ الَّذِي يَبْلُوهُ فِي كُلَّ حَالَةٍ … شَكُوراً لِمَا يَلْقَى فَخُوراً بِمَنْ يَبْلُو

وَفِي الوَفْدِ إِنْ تُوصَفْ مَوَاقِفُ يُوسُفِ … أَكَانَ لَهُ فِي الذَّودِ عَنْ حَوْضِهِ كِفْلُ

فَدَاهُ بِأَغْلَى مَا يُسَامُ أَخُو الْفِدَى … وَلَمْ يَثْنِهِ ضَيْمٌ وَلَمْ يُغْرِهِ جُعْلُ

عَقِيدَةُ نَفْسٍ أَوْرَدَتْهُ مَهَالِكاً … وَلَمْ تَأْبَ أَنْ يُرْعَى الخُصُومُ وَإِنْ زَلُّوا

وَفِي مَجْلِسِ النُوُّابِ هَلْ سَارَ سَيْرَهُ … أَخُو مِرَّةٍ جَلْدٌ عَنِ الجَهْدِ لاَ يَأْلُوا

بِيُوسُفَ وَالْمَشْهُورِ مِنْ وَثَبَاتِهِ … إِلَى كُلِّ إِصْلاَحٍ تَمَهَّدَتِ السُّبْلُ

هُنَاكَ مَجَالُ الْعَبْقَرِيَّةِ وَاسِعٌ … لِمُسْتَبِقٍ يَشْأُو وَمَنْطَلِقٍ يَعْلُو

هُنَاكَ رَمَى جَيْشَ الأبَاطِيلِ نَاثِلٌ … كِنَانَةَ صِدْقٍ لاَ يَطِيشُ لَهَا نَبْلُ

فَآبَ بِفَتْحٍ بَعْدَ فَتحٍ وَلَم يُثِرْ … حُقُوداً وَلَمْ يَعْدُ الصَّوَابَ وَلَمْ يغْلُ

وَمَنْ جَدَّ فِي التَّصْرِيفِ لِلأمْرِ جِدَّهُ … وَقَدْ بَاتَ فِي تَصْرِيفِهِ العَقْدُ وَالْحَلُ

فَقَامَ بِأَعْبَاءٍ تَنُوءَ بِهَا الْقُوَى … وَلَيْسَ لَهُ إِلاَّ رُقِيَّ الْحِمَى سُؤْلُ

وَمَنْ فِي الشُّيُوخِ الْمُنْتَدِينَ كَيُوسُفٍ … بِهِ حِلْمُ شَيْخٍ وَهْوَ فِي سِنِّهِ كَهْلُ

يُعِيدُ وَيُبْدِي رَابِطَ الجَأْشِ مُنْصِفاً … وَلَيْسَ بِهَدَّارٍ كَمَا يَهْدِرُ الفَحْلُ

وَما يَمْلِك الأَسْمَاعَ إِذْ يَنْطِقُ الهَوَى … كَمَا يَمْلِكُ الأَسْمَاعَ إِذْ يَنْطقُ الْعَقْلُ

قُصَارَاكَ مِنْهُ أَنَّهُ فِي كِفَاحِهِ … جَريءٌ صَرِيحٌ لا اقْتِحَامٌ وَلاَ خَتْلُ

وَلَيْسَ يُدَاجِي فِي عِبَادَةِ رَبِّهِ … يَصِيدُ بِهَا سُحْتاً وَمَعْبُودُهُ الْعِجْلُ

فَمَاتَ وَمَا مِنْ ثَرْوَةٍ غَيْرُ عَيْلَةٍ … ثَوَى رَبُّ نُعْمَاهَا وَحَاقَ بِهَا الأزَلُ

تَرَى مَا اعْتِذَارُ الكَاذِبِينَ الأُولَى سَعَوْا … سِعَايَاتِهِمْ فِيهِ وَقَدْ زَهَقَ البُطْلُ

حُكُومَةُ خَصْمٍ أَنْصَفَتْهُ فَوُفِّقَتْ … إِلَى الْخَيْرِ لاَ يَعْرُوهُ رَيْبٌ وَلاَ دَخل

وَمنْ مِثْلهُ فِي أَهْلِهِ وَرِفَاقِهِ … لَهُ شِيِمٌ كَالرَّوْضِ بَاكَرَهُ الطَّلُّ

فَحَلَّ مَحَلاًّ مِنْهُمُ لَمْ يَفُزْ بِهِ … أَبٌ أَوْ أَخٌ حُلْوُ الشَّمَائِلِ أَوْخِل

وَمَنْ مِثْلهُ وَافِي الرجُولَةِ كُلُّمَا … دَعَا الْحَقُّ لاَ يَأْبَى عَلَيْهِ وَيَعْتَل

كَرِهْتُ وَحَاشَاهُ أَنَاساً وجَدْتُهُمْ … رِثَاتَ الأوَاخِي لاَ ذِمَامٌ وَلاَ إِل

لَقَدْ كَثُرُوا وَالأَكْرَمُون خَلاَقهُمْ … قَلِيلٌ مِنَ الدُّنْيَا فَلاَ بِدْعَ إِنْ قَلوا

فَهَلاَّ هَدَاهُمْ ذَلِكَ النَّورُ فَاهْتَدَوا … أَلاَ إِنَّ مَحْلاً فِي النُّفُوسِ هُوَ الْمَحْلُ

أَيُوسُفُ إِنِّي قَبْلَ مَنْعَاك لَمْ أَثُرْ … وَلَمْ يَتَيقَّظْ لِلْمُلِمَّاتِ بِي قَبْلُ

وَكُنْتُ امْرَءًا لا يَعْرِفُ الْغِلُّ قَلْبَهُ … فَأضْحَى بِهِ حُزْنٌ يُخَامِرُهُ الْغِلُّ

بِرَغْمِ وَفَائِي إِنَّهُ الْيَوْمَ خَاذِلِي … وَمَاذَا يَرُد البَث وَالْمَدْمَعُ الجَزْلُ

كَفَى سَلْوَةً أَنْ شيَّعَتْ مِصْرُ كُلُّهَا … فَتَاهَا بِمَا لَمْ يَشْهَدِ النَّاسُ مِنْ قَبْلُ

مِثَالُكَ مِلْءُ الدَّهْرِ وَاسْمُكَ خَالِدٌ … وَفَضْلُكَ بَاقِي الذَّكْرِ مَا ذُكِرَ الفَضْلُ

إِذَا نَحْنُ عَزَّيْنَا الرَّئِيسَ وَلَمْ نَزِدْ … فَقَدْ عُزِّيَتْ فِيكَ الكِنَانَةُ وَالأهْلُ