يَجِدُّ الرَّدى فِينا ونحنُ نُهازِلُهْ – ابن سهل الأندلسي

يَجِدُّ الرَّدى فِينا ونحنُ نُهازِلُهْ … ونغفو وما تغفو فُواقاً نوازِلُهْ

بقاءُ الفتى سؤلٌ يعزُّ طلابه … ورَيبُ الردي قِرنٌ يَزِلُّ مُصاوِلُهْ

وأنفَسُ حَظَّيكَ الذي لا تَنالُه … و أنكى عدويكَ الذي لا تقاتله

ألا إنَّ صَرفَ الدهرِ بحرُ نوائبٍ … و كلُّ الورى غرقاهُ والقبرُ ساحله

تَرِثُّ لمن رام الوفاءَ حِبالُه … وأكبرُ مِن حَزمِ اللبيبِ غوائِلُه

وهل نافِعٌ في الموتِ أنَّ اختِيارَنا … ينافرهُ والطبعُ مما يشاكله

وكيفَ نَجاة ُ المرء أوْ فَلَتاتُه … على أسهُمٍ قَدْ ناسَبَتْها مَقاتِله

و أما وقد نال الزمانُ ابنَ غالبٍ … فقد نالَ من هضمِ العلى ما يحاوله

ألَيْسَ المَساعي فارقَتْهُ فأظلمَتْ … كما فارقتْ ضوءَ النهارِ أصائله

لقد لُفَّ في أكفانِه الفضلُ كُلُّه … وساقَ العُلا جَهراً إلى التُّرب حاملُه

فإن ضمه من مستوي الأرض ضيقٌ … فكم وَسِعَ الأرضَ العريضة َ نائله

وكم ساجَلتْ فيها البِحارَ يمينُه … وكم جانَستْ فيها الرِّياضَ شَمائِله

لئن سَوَّدَ الآفاقَ يومُ حِمامِه … لقد بيضتْ صحفَ الحسابِ فضائله

وإن سدَّ بابَ الصبرِ حادثُ فقده … لقد فتحتْ بابَ الجنانِ وسائله

وإن ضَيّعتْ ماءَ العيون وفاتُه … لقد حفظتْ ماءَ الوجوهِ نوائله

و كم أحيتِ الليلَ الطويلَ صلاته … و كم قتلتْ محلَ السنسنَ فواضله

فَخَلَّفَ في مُرّ المُصابِ قُلوبَنا … و زفتْ إلى بردِ النعيمِ رواحله

عَزاءً أبا بكرٍ فلو جامَل الردى … كريمَ أُناسٍ كنتَ ممّن يُجامِله

و ما ذهبَ الأصلُ الذي أنت فرعه … و لا انقطعالسعيُ الذي أنت واصله

أبوك بنى العَليا وأنْتَ شَدَدتَها … بمجدٍ يقوي ما بنى ويشاكله

كما تمَّ حسنُ البدرِ وهو مكملٌ … و أيده دريُّ سعدٍ يقابله

وإن أصبح المجدُ التّلِيدُ لفَقدِه … يتيماً فلا يَحزَنْ فإنَّكَ كافِلُه

إذا ثبتتْ أخرى الندى في محمدٍ … فلم تتزحزحْ بالحمامِ أوائله

فَتًى كثّرَ الحُسّادَ في مَكْرماتِهِ … كما قلَّ فِيهَا شِبهُهُ ومُمَاثِلُه

حليفُ جلادٍ ليسَ تكسى سيوفه … و ثوبُ طرادٍ ليس تعرى صواهله

فما خمرهُ إلاَّ دماءُ عداته … و لا طربٌ حتى تغني مناصله

تُضَمُّ على ليثِ الكِفاحِ حروبُه … و تسفرُ عن بدرِ التمامِ محافله

سما بِعُلًى لا يستريحُ حَسُودُها … و سادَ بجودٍ ليس يتعبُ آمله

تودُّ الغوادي أنهنَّ بنانه … وتَهوى الدَّراري أنهنَّ شَمائِله

تساوى مضاءً رأيه وحسامه … ولانَ مَهزّاً مِعطَفاهُ وذابله

ربوعُ المساعي عامراتٌ بسعيه … و يقفرُ منهُ غمدهو حمائله

و فللَ حبُّ الهامِ شفرة َ عضبه … وإن لم تزَلْ في كلّ يومٍ تُواصِله

توقدَ ذهناً حين سالَ سماحة ً … كما شبَّ برقاً حين فاضت هواطله

تَلوذعَ حتى يُحسَبَ الأفقُ مَنشأً … له والنجومُ النيراتُ قبائله

تحيَّرتُ فيه والمعاني غرائبٌ … أأفْكارُهُ أمضى شَباً أم عَوامِلُه

إذا كان خَطبٌ أو خطابٌ فأين مَن … يُجالِدُه في مَشهدٍ ويُجادِله

ترى فيه فَيضَ النِّيلِ، والبَدرَ كاملاً … إذا لاحَ مَرآهُ وجادَت أنامِله

كريمٌ إذا عُمّرَ الوعدُ ساعة ً … أُتِيحَ لَهُ مِنه ابتِسامٌ يُعاجِله

لئن سَبَقتْهُ بالزَّمانِ مَعاشِرٌ … فكم سبقتْ فرضَ المصلي نوافله

و إن شاركتهُ في العلى هضبة ٌ فقد … تَبايَنَ زُجُّ الرُّمحِ قَدراً وعامله

… ووطّنتَني إذ أزعَجَتْني زلازِله

فلا رشادٌ إلآَّ نداكَ عقالهُ … ولا خائِفٌ إلاَّ عُلاكَ مَعاقِله

وكنتَ العِياذَ الأمنَ كالمُزنِ إنّه … يظلُّ وتروي العاطشينَ هواطله

وإن كنتَ سيفاً للمُريبينَ مُرهَفاً … فبُورِكتَ من سيفٍ وبُورِك حامِله

أراكَ بعَينَيْ مَن أقَلْتَ عِثارَه … بسَعيِكَ والهادي إلى الخيرِ فاعِلُه