يفندون وهم أدنى إلى الفند – البحتري

يُفَنِّدونَ وَهُمْ أدْنَى إلى الفَنَدِ، … وَيُرْشِدُونَ وَما التَّعذالُ من رَشَدِي

وَكَيفَ يُصْغي إلَيهمْ، أو يُصِيخُ لهمْ … مُستَغلِقُ القَلبِ عَنهُمْ واهنُ الكبِدِ

هلْ أنتَ من حُبّ لَيلى آخِذٌ بيَدي، … أوْ ناصِرٌ لي على التّعذيبِ والسَّهَدِ

وَهَلْ دُمُوعٌ أفَاضَ النّهيُ رَيّقَهَا، … تُدني من البُعدِ أو تَشفي من الكَمَدِ

فَما يَزَالُ جَوًى في الصّدرِ يُضرِمُهُ … وَشْكُ النّوَى وَصُدُودُ الأُنَّسِ الخُرُدِ

قَد بَاتَ مُسْتَعْبِراً مَنْ كَانَ مُصْطَبِراً، … وَعَادَ ذا جَزَعٍ مَنْ كَانَ ذا جَلَدِ

إنْ أسْخَطَ الهَجْرُ لا أرْجِعْ إلى بَدلٍ … منهُ، وإنْ أطلُبِ السُّلْوَانَ لا أجِدِ

وَقَدْ تَجَاذَبَني شَوْقانِ عن عَرَضٍ، … مِنْ بَيْنِ مُطّرَفٍ عِندي، وَمُتّلَدِ

لا عَيْشُ وَجْرَةَ يُنْسِي عَهْدَ ذي سَلَمٍ، … وَلاَ هَوَى القُرْبِ يُسْلي عن هَوَى البُعُدِ

تَنَصّبَ البَرْقُ مُخْتَالاً، فقُلْتُ له: … لوْ جُدتَ جُودَ بني يَزْدَادَ لم تَزِدِ

فلَسَت نَنْفَكُّ من شُكْرٍ وَمن أمَلٍ، … مُكَرِّرِينَ بيَوْمٍ مِنْهُمُ، وَغَدِ

تَيَمّمُوا الخِطّةَ المُثْلَى على سَنَنٍ، … لمْ يَظْلِمُوهُ، وَبَاعُوا الغَيّ بالرّشَدِ

بَنُوا أغَرَّ مِنَ الأقْوَامِ شَادَ لَهُمْ … مَجدَ الحَيَاةِ وأقْنَاهُمْ على الأبَدِ

يَقْفُونَ مِنهُ خِلالاً، كُلُّهَا حَسَنٌ، … إنْ عُدّدَتْ غادَرَتْ فَضْلاً على العَدَدِ

وما تَزَالُ أواخِي المُلْكِ ثَابِتَةً … مِنْهُمْ بكُلّ رَحِيبِ البَاعِ والبَلَدِ

بنُصحِ مُجتَهدٍ، صحتْ عزيمَتُهُ، … أوْ عَزْمِ مُنجَرِدٍ، أوْ حَزْمِ مُتّئِدِ

فالله يَكْلأُ عَبْد الله إنّ لَهُ … مَكَارِماً مَنْ يُخَوَّلْ بَعضَها يَسُدِ

بحرٌ، متى نَستَمِحْ أموَاجَ جَمّتِهِ، … تَفِضْ، وَغَيْثٌ متى ما يَستَجدْ يَجُدِ

تَفَرّجتْ حَلْبَةُ الكُتّابِ حينَ جَرَوْا … عَن سابقٍ بخِصَالِ السّبقِ مُنفَرِدِ

إنْ يُعمِلُوا الجَوْرَ يَقصِدْ في تَصرّفِهْ، … أو يُسرِفُوا في فُنُونِ الأمرِ يَقتَصِدِ

أدى الأمانة لم تعجز كفايته … عنها، ولم يستنم فيها إلى أحد

مشارفاً لأقاصي الأمر يكلأها … برأي محتفل للأمر محتشد

إنّ السّياسةَ قد آلَتْ إلى يَقِظٍ، … مُوَفَّقٍ لسَبِيلِ الحَقّ مُعْتَمَدِ

لمْ يَرْجُها بأكاذيبِ الظّنُونِ، ولمْ … يَمتُتْ إلى نَيلِهَا، إذْ مَتّ، مِن بُعُدِ

ألْفَى أبَاهُ على نَهْجٍ، فَطَاوَلَهُ … إلى السِّوَاءِ، وَجَارَاهُ إلى الأمَدِ

بمَذهَبٍ، غَيرِ مَدخُولٍ وَلاَ طَبِعٍ، … وَنَائِلٍ غَيرِ مَنْزُورٍ، ولاَ ثَمِدِ

تِلكَ الخِلاَفَةُ قد دَارَتْ على قُطُبٍ … من رأيِهِ الثّبتِ واستَذرَتْ إلى سَنَدِ

تهاب عدوته من دون حوزتها … كما تهاب وتخشى عدوة الأسد

يَرُدُّ أيَّ يَدٍ مُدّتْ لِتُنْقِصَهَا … مَجذوذَةَ الزّندِ أوْ مَهذوذَةَ العَضُدِ

أسلَمْ أبَا صَالحٍ للمَكرُمَاتِ، فقَدْ … أحْيَيْتَها وَهيَ من مَوْتٍ على صَدَدِ

عَمّتْ صَنَائعُكَ الرّاجينَ،وابتَعَثَتْ … آمَالَ مَنْ لَمْ يَرُمْ سَعْياً، وَلَمْ يُرِدِ

وَرَدَّ تَدبيرُكَ الدّنيا، وَقَد صَلُحتْ … عَفواً وَلَوْلاكَ لم تَصْلُحْ وَلَمْ تَكَدِ

مَا في الخِلاَفةِ من وَهْيٍ، فيَجبِرَهُ … آسٍ، وَلا في قَنَاةِ المُلكِ منْ أوَدِ

وَلا الكَوَاكبُ في لَيْلِ الرّبيعِ تَلَتْ … غَيثاً، بأبْهَجَ مِنْ أيّامِكَ الجُدُدِ