يا نفس – إيليا أبو ماضي
يا نفس لو كنت ترين الشؤون … كما يراها سائر الناس
لما رماني بعضهم بالجنون … ولم أجد في الناس من باس
بالأمس مرّ الوكب الأكبر … فيه الفتى الراكب والناعل
وأقبلت غيد الحمى تخطر … يهتفن: عاد البطل الباسل
ما لك يا هذه لا تهتفين … لصاحب الدولة والباس؟
فقلت لي ضاحكة تسخرين: … ويلك هذا قاتل الناس
ومجلس دارت به الكؤوس … فشرب القوم ولم تشربي
وامتلأت بالطرب الأنفس … وأنت في صمتك لم تطربي
كأنّما غيّبك الحندس … أو تاهت اللذّات في سبسب
ما لك يا هذه لا تضحكين … للحبب الضاحك في الكاس؟
قالت : نهاني أنّ موج السنين … سيغمر الأقداح والحاسي
وسرت في الروضة شاع الجمال … فيها، وشاع الحبّ بين الطيور
ألطلّ فيها كدموع الدلال … والشوك فيها كحديث الغرور
مشيت في أرجائها كالخيال … يطوف في الظلماء بين القبور
كأنّما لا ورد في الياسمين … كأنّما لا عطر في الآس
ويحك لا في عزلتي تطربين … ولا إذا كنت مع الناس
كان زمان كنت تستأنسين … بكلّ وهم خادع كالسراب
حتى إذا أسفر وجه اليقين … رأيته كالوهم شيئا كذاب
دنيا الورى ليل وصبح مبين … وليس في دنياك إلاّ الضباب
ما لاحت الأشجار للناظرين … إلاّ رأيت شبح الفاس
ولا سمعت الكاس ذات الرنين … إلا سمعت حطمة الكاس
مسخت في عينّي لوت النهار … لّما لمحت الليل بالمرصد
ومات في إذنّي لحن الهزار … لّما سبقت الصمت للمنشد
فررت باللّذات قبل الفرار … فضاع يومي حائرا في غدي
خالفت مقياس الورى أجمعين … فكيف يرضون بمقياسي؟
ما برح الناس كما تعلمين … ولم أزل فردا من الناس